وقد استدل المصنف على وجوبها بأمرين :

الأوّل : أنّها دافعة للضرر الذي هو العقاب أو الخوف منه ، ودفع الضرر واجب.

الثاني : أنّا نعلم قطعاً وجوب الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّها تجب عن كل ذنب لأنّها تجب من المعصية لكونها معصية ومن الإخلال بواجب لكونه كذلك ، وهذا عام في كل ذنب واخلال بواجب.

قال : ويندمُ على القبيح لقبحه (١) وإلّا انتفَتْ ، وخوفُ النار إن كانَ الغايةَ فكذلك، وكذا الإخلالُ.

أقول : يجب على التائب أن يندم على القبيح لقبحه وأن يعزم على ترك المعاودة إليه، إذ لو لا ذلك انتفت التوبة ، كمن يتوب عن المعصية حفظاً لسلامة بدنه أو لعرضه بحيث لا ينثلم عند الناس ، فإنّ مثل هذا لا يعدّ توبة لانتفاء الندم فيه.

__________________

(١) حاصل كلامه : أنّ المحرِّك إلى التوبة يجب أن يكون إدراك قبح العمل بما هو هو ، سواء كان القبيح فعلَ المحرم أو تركَ الواجب ، ولو انضمّ إليه شيء من الأمور الدنيوية ، بحيث لولاها لما تاب ، فلا يعدّ توبة حقيقة.

لكن الحق ، الفرق بين البواعث الدنيوية كصيانة وجاهته عند الناس ، والبواعث الإلهية ، من غير فرق بين العذاب الدنيوي أو الأُخروي لقوله سبحانه : ﴿أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (التوبة : ١٢٦) حيث يوبّخهم على ترك التوبة مع الوقوع في الافتتان في كل عام مرة ، ومن المعلوم أنّ المقصود حتماً هو الأمراض والأوجاع وهما رائدا الموت.

۳۰۸۱