ولأنّه عليه‌السلام كان في منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الاختصاص به عظيم الامتثال لأوامره لم يخالفه قط ، وأبو بكر كان بعيداً عنه مجانباً له ، فيبعد عرض الإسلام عليه قبل عرضه على علي عليه‌السلام وبالخصوص وقد نزل قوله تعالى : ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (١).

لا يقال : إنّ إسلامه عليه‌السلام كان قبل البلوغ فلا اعتبار به.

لأنّا نقول : المقدمتان ممنوعتان :

أمّا الأُولى : فلأنّ سنّ علي عليه‌السلام كان ستّاً وستين سنة أو خمساً وستين ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي بعد الوحي ثلاثاً وعشرين سنة ، وعلي عليه‌السلام بقي بعد النبي نحواً من ثلاثين سنة ، فيكون سنّ علي عليه‌السلام وقت نزول الوحي فيما بين اثنتي عشرة سنة وبين ثلاث عشرة سنة ، والبلوغ في هذا الوقت ممكن ، فيكون واقعاً لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً».

وأمّا الثانية : فلأن الصبي قد يكون رشيداً كامل العقل قبل سن البلوغ فيكون مكلفاً ، ولهذا حكم أبو حنيفة بصحة إسلام الصبي ، وإذا كان كذلك دل على كمال الصبي.

أمّا أوّلاً : فلأن الطباع في الصبيان مجبولة على حب الأبوين والميل إليهما ، فإعراض الصبي عنهما والتوجه إلى الله تعالى يدل على قوة كماله.

وأمّا ثانياً : فلأن طبائع الصبيان منافية للنظر في الأُمور العقلية والتكاليف الإلهية ، وملائمة للعب واللهو ، فإعراض الصبي عما يلائم طباعه إلى ما ينافره يدل على عظم منزلته في الكمال ، فثبت بذلك أن علياً عليه‌السلام كان أقدمهم إيماناً فيكون أفضل لقوله تعالى : ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (٢).

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) الواقعة : ١٠ ـ ١١.

۳۰۸۱