فتوى المجتهد ، والمفروض أن الطريق للمقلّد منحصر في اتباع فتوى المجتهد. بل يمكن استفادة ذلك من نفس دليل الحجية لما عرفت من أن التعارض لا يمنع إلاّ عن تصديقه من حيث المنجّزية ، ولا يمنع عن تصديق دليل الحجية من حيث معذّريتهما معاً. فعلى ما ذكرناه من أن الفتويين قد جعلهما الشارع حجتين تخييراً بالمعنى المتقدم إذا شكّ المكلّف بعد العمل بإحدى الفتويين في أن ما أخذ به هل تعيّن في حقه أم أن كلا منهما باقية على ما كانت عليه من المنجّزية والمعذّرية ، كان مقتضى الاستصحاب بقاءهما على تلك الصفة المجعولة وهي الحجية التخييرية بالمعنى الّذي عرفت.

ومن هذا يتضح أن استصحاب الحكم الّذي أخذه المكلف قبل ذلك لا يوجب تعينه عليه ، لوضوح أنه كان ثابتاً من الابتداء ولم يكن ثبوته مانعاً عن ثبوت الآخر فكيف يمنع عن ثبوته بقاء ، فاستصحاب الحجية الفعلية لقول المجتهد الأول لا ينافي استصحاب الحجية التخييرية لفتوى المجتهد الآخر ، فإن حال الحكمين بحسب البقاء حالهما بحسب الحدوث ، ومعه لا حاجة إلى ما أفاده الشيخ الأجل قدس‌سره من أن استصحاب الحجية التخييرية حاكم على استصحاب الحكم المختار. بل بناء على الطريقية ليس هناك حاكم ولا محكوم ولا حكم شرعي ، وإنما الموجود منجّزية الفتويين ومعذّريتهما ، ومن الظاهر أن حجية الفتوى المأخوذ بها بالمعنى المتقدم ، غير مانعة عن حجية الأُخرى بوجه وكلتاهما في عرض واحد.

نعم ، لو قلنا بلزوم الالتزام بالحكم فيتحقق هناك حاكم ومحكوم ، لأن الحكم بالالتزام بهذا أو بذاك أمر ، ووجوب القصر أو وجوب الإتمام أمر آخر ، إلاّ أن وجوب الالتزام لو ثبت فإنما يخص التقليد ولا يأتي في العمل بالخبرين ، بل لا يمكن تصديقه في التقليد أيضاً ، لأنه يبتني على أن يكون التقليد هو الالتزام وقد مرّ أنه العمل دون الالتزام.

أضف على ذلك أن الالتزام لا معنى محصّل له إلاّ أن يتعلق بالحكم الفعلي ، لأن الالتزام مقدمة للعمل بمتعلقه فلا مناص من أن يكون متعلقه أمراً صالحاً للبعث نحو العمل ، ولا يعقل أن يكون كلا الحكمين فعلياً تعيينياً ، لأنهما متعارضان. إذن لا مناص من أن يكون الحكمان فعليين تخييريين تحقيقاً للالتزام بهذا أو بذاك ، ومعه لا يكون استصحاب الحكم المختار موجباً للتعين وإنما يقتضي الاستصحاب بقاء كل من‌

۳۷۹