بحسب الابتداء ، بناءً على مسلكهم من إنكار مشروعية التقليد بالكلية ، وأن رجوع العامّي إلى المجتهد إنما هو من باب الرجوع إلى رواة الحديث ، كما في رواية إسحاق بن يعقوب « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا » (١). فالمفتي ينقل الرواية لا أنه يفتي حقيقة حسب رأيه ونظره ، ومن الظاهر أن حجية الرواية وجواز العمل بها لا يتوقفان على حياة الراوي بوجه ، لأنها حجة ويجوز العمل بها كان المحدّث حياً أو ميتاً.

وهذه الدعوى أيضاً فاسدة مبنى وبناءً ، أما بحسب المبنى ، فلما أسلفناه من أن المستفاد من الآيات والروايات أن الرجوع إلى المجتهد إنما هو من أجل أنه أهل الخبرة والاطلاع ، وأن لنظره دخلاً في جواز الرجوع إليه ، لا أنه من جهة كونه راوي الحديث. وقد دلت آية النفر على أن إنذار الفقيه حجة ، ومعناه أن الفقيه بما أنه فقيه وناظر في الأخبار وقد جمع بين متعارضاتها وخصص عموماتها وقيّد مطلقاتها يجوز الرجوع إليه ، فإنه لا يعتبر الفقاهة في الراوي كما مرّ ، فهو من رجوع الجاهل إلى العالم والفقيه ، لا من رجوع العامّي إلى رواة الحديث. فهذه الدعوى غير تامة مبنى.

وأما بحسب البناء ، فلأنا لو سلّمنا أن الرجوع إلى المجتهد من باب الرجوع إلى راوي الحديث ، فلا يمكننا إرجاع العامّي إلى فتوى الميت بعنوان راوي الحديث وذلك لأن كل شخص عامّي أو غيره على علم من أن المسائل الشرعية مورد الخلاف بين العلماء ( قدّس الله أسرارهم ) للاختلاف في مداركها وأخبارها ، وبالأخص إذا كان ممن له حظ من العلم وإن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد ، لأنه إذا رجع إلى الكتب الفقهية رأى أن للشهيد قولاً وللشيخ قولاً آخر وهكذا ، ومع فرض التعارض في الأخبار لا يجوز للعامّي كالمجتهد أن يرجع إلى شي‌ء من المتعارضات. بل لا بدّ من ملاحظة المرجحات والأخذ بما له مرجح من المتعارضين ، وعلى تقدير تكافئهما يلاحظ أن مقتضى القاعدة هو التساقط أو التخيير. فعلى القول بأن الرجوع إلى المجتهد من الرجوع إلى راوي الحديث ، وفرض عدم المرجح في البين ، والقول بأن القاعدة تقتضي التخيير في المتكافئين ، لا بأس برجوعه إلى فتوى الميت فلا مجوّز للحكم بجواز رجوعه إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٩.

۳۷۹