والنتيجة : أن الأحكام الواقعية متنجّزة على كل مكلف إمّا للعلم الإجمالي وإمّا بالاحتمال ، وإذا لم تجر البراءة في الأحكام الواقعية عقلاً ولا نقلاً ولا استصحاب العدم ، لم يكن بدّ من الخروج عن عهدة امتثالها ، حيث إن في مخالفتها استحقاق العقاب ، وطريقه منحصر بالاجتهاد والتقليد والاحتياط وذلك لأن المكلف إمّا أن يستند في عمله إلى ما علم بحجيته وجداناً أو تعبداً فهو الاجتهاد ، وبالعمل به يقطع بأنه قد ترك الحرام وأتى بالواجب ، ويجزم بخروجه عن عهدة ما توجه إليه من الأحكام.

وإمّا أن يستند في أعماله إلى قول الغير وهو المعبّر عنه بالتقليد ، إلاّ أن القطع بفراغ الذمة بسببه إنما هو فيما إذا كان قول الغير ثابت الحجية عنده بالاجتهاد ولو بالارتكاز لارتكاز رجوع الجاهل إلى العالم عند العقلاء ، وذلك لأن قول الغير ليس بحجة عليه في نفسه ولا يمكن أن تثبت حجية قول الغير بالتقليد وقول الغير ، لأن هذا القول كالقول الأول يتوقف حجيته على دليل ، فلو توقفت حجية قول الغير على التقليد وقول الغير لدار أو تسلسل ، لأنا ننقل الكلام إلى القول الثاني ونقول إن حجيته إمّا أن تستند إلى الاجتهاد أو إلى التقليد وقول الغير ، فعلى الأول نلتزم به في القول الأول من دون تبعيد المسافة وإثبات حجيته بالقول الثاني ، وعلى الثاني ينقل الكلام إلى القول الثالث فإن حجيته إمّا أن تثبت بالاجتهاد أو بالتقليد وقول الغير. فعلى الأول نلتزم به في القول الأول من دون تبعيد المسافة ، وعلى الثاني ننقل الكلام إلى القول الرابع ، وهكذا إلى ما لا نهاية له.

فالمتحصل : أن التقليد لا يمكن أن يكون تقليدياً بوجه. نعم ، لا بأس بالتقليد في فروعه كجواز تقليد غير الأعلم أو البقاء على تقليد الميت كما يأتي في محلّه ، إلاّ أن أصل مشروعية التقليد لا بدّ أن يكون بالاجتهاد ، فالمقلد باجتهاده يعمل على فتوى المجتهد وهو يعمل على ما قطع بحجيته من الأمارات والأُصول.

وإمّا أن يعمل بالاحتياط بأن يأتي بما يحتمل وجوبه ويترك ما يحتمل حرمته ، إلاّ أن الاحتياط لا يتمشى في جميع المقامات ، إمّا لعدم إمكانه كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين ، وموارد كثرة أطراف الاحتياط بحيث لا يتمكن المكلف من إتيانها وإمّا لاحتمال عدم مشروعيته كما إذا كان محتمل الوجوب عبادة واحتمل المكلف عدم‌

۳۷۹