عن أن يكون فقيهاً ، لكفاية الوثاقة في حجية نقل الألفاظ المسموعة عن المعصوم عليه‌السلام من غير أن يتوقف على فهم المعنى بوجه.

وثانيتهما : أن الراوي لا يعتبر في حجية رواياته أن يصدق عليه عنوان الفقيه ، لأنه إذا روى رواية أو روايتين أو أكثر لم يصدق عليه الفقيه وإن كان ملتفتاً إلى معناها لضرورة أن العلم بحكم أو بحكمين لا يكفي في صدق الفقيه مع حجية رواياته شرعاً.

اللهُمَّ إلاّ أن يقال : إن الآية المباركة إذا دلت على حجية الخبر عند صدق الفقيه على ناقله ، دلت على حجيته عند عدم كون الراوي فقيهاً لعدم القول بالفصل ، إلاّ أن ذلك استدلال آخر غير مستند إلى الآية ، كيف وقد عرفت أن الآية قد أُخذ في موضوعها التفقه في الدين. فظهر بما سردناه أن دلالة الآية المباركة على حجية فتوى المجتهد وجواز التقليد أقرب وأظهر من دلالتها على حجية الخبر.

وأما ثانياً : فلعدم كون التفقه والاجتهاد في الأعصار السابقة مغايراً لهما في العصور المتأخرة ، بل الاجتهاد أمر واحد في الأعصار السابقة والآتية والحاضرة ، حيث إن معناه معرفة الأحكام بالدليل ولا اختلاف في ذلك بين العصور. نعم ، يتفاوت الاجتهاد في تلك العصور مع الاجتهاد في مثل زماننا هذا في السهولة والصعوبة حيث إن التفقه في الصدر الأوّل إنما كان بسماع الحديث ، ولم تكن معرفتهم للأحكام متوقفة على تعلم اللغة ، لكونهم من أهل اللسان أو لو كانوا من غيرهم ولم يكونوا عارفين باللغة كانوا يسألونها عن الإمام عليه‌السلام فلم يكن اجتهادهم متوقفاً على مقدمات ، أما اللغة فلما عرفت ، وأمّا حجية الظهور واعتبار الخبر الواحد وهما الركنان الركينان في الاجتهاد فلأجل أنهما كانتا عندهم من المسلّمات. وهذا بخلاف الأعصار المتأخرة لتوقف الاجتهاد فيها على مقدمات كثيرة ، إلاّ أن مجرد ذلك لا يوجب التغيير في معنى الاجتهاد ، فإن المهم مما يتوقف عليه التفقه في العصور المتأخرة إنما هو مسألة تعارض الروايات ، إلاّ أن التعارض بين الأخبار كان يتحقق في تلك العصور أيضاً ، ومن هنا كانوا يسألونهم عليهم‌السلام عمّا إذا ورد عنهم خبران متعارضان. إذن التفقه والاجتهاد بمعنى إعمال النظر متساويان في الأعصار السابقة واللاّحقة وقد كانا متحققين في الصدر الأول أيضاً. ومن هنا ورد في مقبولة عمر بن‌

۳۷۹