« طلب العلم فريضة » (١) وقوله عزّ من قائل ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢) وغيرهما مما يمكن الاستدلال به على هذا المدعى كما ذهب إليه الأردبيلي قدس‌سره وتبعه بعض المتأخرين ، إلاّ أنّا بيّنا في محله أن تعلم الأحكام ليس بواجب نفسي وإنما التعلم طريق إلى العمل ومن هنا ورد في بعض الأخبار « أن العبد يؤتى به يوم القيامة فيقال له : هلاّ عملت؟ فيقول : ما علمت فيقال له : هلاّ تعلمت » (٣) فترى أن السؤال أوّلاً إنما هو عن العمل لا عن التعلم ، ومنه يستكشف عدم وجوبه النفسي وأنه طريق إلى العمل وإلاّ لكان اللاّزم سؤال العبد أوّلاً عن التعلم بأن يقال له ابتداءً : « هلاّ تعلّمت » وتفصيل الكلام في عدم وجوب التعلم موكول إلى محلّه.

على أنّا لو سلّمنا وجوب التعلم فالحكم بالوجوب النفسي في تلك الطرق وجعل الاحتياط عدلاً للاجتهاد والتقليد مما لا محصّل له ، وذلك لأن الاحتياط إنما هو الإتيان بالمأمور به فهو امتثال للحكم حقيقةً ، لا أن الاحتياط تعلّم له ، لضرورة أن المحتاط جاهل بالحكم أو بالمأمور به إلاّ أنه قاطع بالامتثال وجازم بإتيانه المأمور به على ما هو عليه ، فلا وجه للوجوب النفسي في الاحتياط. نعم ، لا بأس به في التقليد والاجتهاد نظراً إلى أنهما تعلّم للأحكام ، هذا إذا فسّرنا التقليد بما يرجع إلى تعلم فتوى المجتهد.

وأمّا إذا فسّرناه بما يأتي في محلّه من أنه الاستناد في العمل إلى فتوى الغير ، وأن تعلم الفتوى ليس من التقليد في شي‌ء ، فلا يمكن أن يقال : إن التقليد تعلّم للأحكام بل‌

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٥ / أبواب صفات القاضي ب ٤ ح ١٥.

(٢) النحل ١٦ : ٤٣ ، الأنبياء ٢١ : ٧.

(٣) هذه مضمون ما رواه الشيخ في أماليه قال : حدثنا محمد بن محمد يعني المفيد قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد قال حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفر بن محمّد عليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى ﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فقال : إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالماً؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال : كنت جاهلاً قال له : أفلا تعلّمت حتى تعمل؟ فيخصمه فتلك الحجة البالغة. راجع تفسير البرهان ج ١ ص ٥٦٠ من الطبع الحديث وكذا في البحار ج ٢ ص ٢٩ و١٨٠ من الطبعة الثانية عن أمالي المفيد.

۳۷۹