للنظام أو المكلف لم يعلم كيفيته ، تعيّن عليه الاجتهاد.

وأما بالنظر إلى رجوع الغير إليه ، فهو واجب على المكلفين وجوباً نفسياً كفائياً لبداهة وجوب حفظ الشريعة المقدسة عن الانطماس والاندراس ، ومن الظاهر أن إهمال الأحكام الشرعية وترك التصدي لاستنباطها في كل عصر ، يؤدي إلى انحلالها واضمحلالها لأنه لا سبيل إلى تحصيلها وامتثالها حينئذ غير التقليد من العلماء الأموات ، ويأتي في محلّه (١) أن تقليد الميت ابتداءً أمر غير مشروع ، أو الاحتياط ولكنه أيضاً لا سبيل إليه ، لأن الاحتياط لا يمكن الإلزام به في بعض الموارد ، لعدم إمكانه كموارد دوران الأمر بين المحذورين ، أو لعدم معرفة العامّي كيفيته وطريقته ، أو لاستلزامه العسر والحرج بل إخلال النظام ، أو لاحتمال عدم مشروعيته كما إذا كان محتمل الوجوب عبادة واحتمل المكلف عدم جواز امتثالها بالاحتياط عند التمكن من امتثالها التفصيلي بالاجتهاد أو التقليد ، فإن المكلف لا يتمكن معه من الاحتياط إلاّ أن يحرز مشروعيته بالتقليد أو الاجتهاد. نعم ، لا أثر للاجتهاد في خصوص تلك المسألة بالإضافة إلى الحكم بجواز الرجوع إليه ، لأنه وإن كان من رجوع الجاهل إلى العالم فتشمله السيرة لا محالة ، إلاّ أن مقتضى الأدلة اللفظية عدم جواز الرجوع إليه ، لعدم صدق عنوان الفقيه أو العالم بالأحكام بمجرد الاجتهاد في مسألة واحدة كما قدّمناه في الكلام على أقسام الاجتهاد. نعم ، له أثر بالإضافة إلى عمل نفسه ، لأن للمكلف أن يعمل على طبق نظره واجتهاده فيما استنبطه من الأحكام.

إذن الاجتهاد صيانة للأحكام عن الاندراس واحتفاظ على الشريعة المقدسة عن الاضمحلال ، وهو واجب كفائي وإلى ذلك أشار سبحانه بقوله عزّ من قائل ﴿ وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (٢) ، حيث دلّ على أن كل طائفة من كل فرقة مأمور بالتفقه وتحصيل الأحكام الشرعية وتبليغها للجاهلين ، فهي ظاهرة الدلالة على وجوب تحصيل الأحكام الشرعية كفائياً ، ويؤيد ما ذكرناه ما ورد‌

__________________

(١) راجع ص ٧٣.

(٢) التوبة ٩ : ١٢٢.

۳۷۹