فهو كان معذوراً في عدوله ولا يمنع هذا العدول المستند إلى فتوى الميت الثاني عن عدوله إلى الميت الأول ، لأنه كلا عدول عند المجتهد الثالث الّذي هو الحي ، لافتائه بوجوب البقاء على تقليد الميت الأول لأعلميته وعدم جواز العدول إلى الثاني ، ومع ذلك كيف يجوز البقاء على تقليد الثاني.

وإن شئت قلت : المفروض أن المجتهد الثالث يرى وجوب البقاء على تقليد المجتهد الأول لأنه كان أعلم من المجتهد الثاني ، ففتوى المجتهد الثاني لم تكن حجة في حق العامّي بنظر المجتهد الثالث حدوثاً ، ومع عدم حجيته حدوثاً في حال الحياة كيف يعقل أن تكون حجة بقاءً أي بعد موته لوضوح تبعية البقاء للحدوث. لأنّا إنما نتشبث في الاستدلال على حجية فتوى الميت بإطلاق الأدلة الدالة على حجية فتواه حال الحياة من جهة السيرة العقلائية الجارية على عدم الفرق بين صورتي موته وحياته فإذا لم تكن فتوى المجتهد حجة حدوثاً لم يمكن أن تتصف بالحجية بقاءً أي بعد موته. هذا بالإضافة إلى الميت الثاني.

وأما بالإضافة إلى الحي فإن كان الميت الأول كما أنه أعلم من الميت الثاني أعلم من الحي ، فلا ينبغي التردد في تعيّن البقاء على تقليده إذا علم المكلّف بالمخالفة في الفتوى بينهما ، وإذا لم يعلم بينهما بالمخالفة جاز له كل من البقاء على تقليد الميت الأول والعدول إلى الحي ، ولا يجب عليه الفحص عن مخالفتهما. نعم ، إذا اختار العدول إلى الحي ثمّ علم بالمخالفة بينه وبين الميت الأول ، وجب عليه العدول إلى الميت الأول لأنه أعلم على الفرض.

وأما إذا كان الحي أعلم من الميت الأول ، فإن لم يعلم المخالفة بينهما جاز للمكلّف كل من البقاء على تقليد الميت الأول والعدول إلى الحي ، وإن علم بينهما بالمخالفة تعيّن عليه العدول إلى تقليد المجتهد الحي لأنه أعلم على الفرض ، إلاّ أن محط كلام الماتن هو البقاء على تقليد الميت الأول بالإضافة إلى الميت الثاني لا بالإضافة إلى الحي ، هذا كلّه فيما إذا كان الميت الأول أعلم من الميت الثاني.

وإذا انعكس الأمر وكان المجتهد الثاني أعلم من الأول فإن كان المكلّف عالماً بالمخالفة بينهما في الفتوى ، كان المتعيّن في حقه الرجوع إلى الثاني فلم تكن فتوى المجتهد الأول حجة حتى فيما إذا كان حياً فضلاً عن موته ، ففي مثله لا يجوز البقاء على‌

۳۷۹