بحرمته ثمّ انكشف أنه يفتي بجوازه وإنما يرى حرمة بيع الميتة واشتبه عليه الانتفاع بالبيع. ويقع الكلام في هاتين الصورتين في أن الناقل أو المجتهد هل يجب عليهما إعلام الجاهل بالحال وبيان أن الأمر قد اشتبه عليهما أو لا يجب؟

أما الصورة الاولى : فلا ينبغي التوقف في وجوب الاعلام في تلك الصورة لأنه بفتواه بالإباحة أو بنقله الفتوى بها قد سبّب إلى الوقوع في الحرام أعني ترك الواجب أو فعل الحرام. وقد ذكرنا في محلّه أن المستفاد حسب المتفاهم العرفي من دليل الحرمة في جميع الموارد إنما هو مبغوضية انتساب العمل المحرّم إلى المكلفين ، بلا فرق في ذلك بين الانتساب بالمباشرة والانتساب بالتسبيب ، ومن هنا قلنا إن تقديم الطعام النجس إلى الجاهل ليأكله أمر حرام ، لأن النهي والتحريم وإن كانا قد تعلقا بأكل النجس إلاّ أن العرف يفهم من ذلك أن أكل النجس مبغوض مطلقاً سواء صدر ذلك عن المكلّف بالمباشرة أم صدر بالتسبيب ، كتقديمه الطعام النجس إلى من يحرم عليه أكل النجس واقعاً وإن كان بالفعل معذوراً لجهله ، وكذلك الحال فيما إذا نهى عن الدخول عليه فإن العرف يفهم من مثله عدم الفرق في مبغوضية الدخول عليه بين صدوره بالمباشرة كما إذا دخل عليه بنفسه وبين صدوره بالتسبيب كما إذا أدخل الغير عليه.

إذن مقتضى أدلة المحرّمات عدم جواز التسبيب إلى الحرام. بل العقل أيضاً مستقل بذلك لأن ما هو الملاك في المنع عن العمل بالمباشرة موجود في العمل بالتسبيب ، وبما أن المجتهد أفتى بإباحة الحرام أو الواجب أو أن الناقل نقل الفتوى بالإباحة فيهما فقد سبّبا إلى وقوع المكلّف في ترك الواجب أو فعل الحرام ، وغاية الأمر أنهما ما داما غافلين ومستمرين في اشتباههما معذوران في التسبيب إلى الحرام ، فإذا ارتفعت غفلتهما والتفتا إلى الحال وجب عليهما إعلام الجاهل وبيان أن الفعل واجب أو حرام وأن الإفتاء بالإباحة أو نقلها إنما صدرا غفلة ونحوها.

ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من أن المفتي ضامن كما في صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال : « كان أبو عبد الله عليه‌السلام قاعداً في حلقة ربيعة الرأي فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه فلما سكت قال له الأعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ، ولم يردّ عليه شيئاً فأعاد المسألة عليه ، فأجابه بمثل ذلك‌

۳۷۹