المنازعة عين شخصية.

ثمّ إنّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على تمامية المقبولة بحسب السند والدلالة فالوجه في عدم كونها معارضة برواية ابن فضال المتقدمة بناء على عدم المناقشة في سندها لأن في سندها محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى وهو مما استثناه ابن الوليد عن رواياته كما تقدم أن الرواية إنما وردت تفسيراً للآية المباركة وقد دلت على أن المراد فيها بالحكّام هو القضاة ، فعلى تقدير تمامية الرواية لا بدّ من الأخذ بها في مورد الآية وهو حرمة أكل المال بالباطل ، ولا يستفاد منها بوجه أن المراد بالحاكم في جميع الموارد الّتي منها حرمة الأخذ بحكمه هو قضاة الجور.

وأما دعوى أن المراد بالقضاة في الرواية قضاة العدل ولو من جهة الجمع العرفي بينها وبين المقبولة.

فيدفعها : تفسيرها بقضاة الجور في رواية أبي بصير قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قول الله عزّ وجلّ في كتابه ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ فقال : يا أبا بصير إن الله عزّ وجلّ قد علم أن في الأُمة حكّاماً يجورون أما إنه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنه عنى حكّام أهل الجور ، يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكّام العدل فأبى عليك إلاّ أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له ، لكان ممن حاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ (١).

وهذه الرواية وإن كان في سندها عبد الله بن بحر فهي ضعيفة لأجله ووقوعه في سند كامل الزيارات على نسخة غير مفيد لأن مع اختلاف النسخة لا يثبت التوثيق. ويؤيده أن ابن الغضائري قد ضعّف الرجل صريحاً ، إلاّ أن الرواية المتقدمة أيضاً ضعيفة لما مرّ فالكلام فيهما إنما هو مع الغض عن الضعف في سنديهما.

فإلى هنا تحصّل أن الترافع إلى الحكّام الجائرين وإن كان محرّماً مطلقاً إلاّ أن حرمة الترافع غير مستلزمة لحرمة المال المأخوذ بحكمهم في الأعيان الشخصية كما تقدم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٣.

۳۷۹