وكان الأمر كذلك واقعاً ، فإن المال الّذي اشتغلت به ذمة المنكر بالاستدانة كلّي لا يتشخّص إلاّ بتشخيص المالك نفسه أعني المديون ، فإذا شخّصه الحاكم الجائر أو الدائن قبل حلول الأجل فهو تشخيص غير شرعي وليس للدائن أن يتصرف فيه لوضوح أنه مال المديون ولم يطرأ عليه ما يوجب دخوله في ملك الدائن.

وأما إذا كان المال عيناً شخصية ، كما إذا غصبها أحد أو أخذها بعنوان الإجارة أو العارية ثمّ أنكرها ، أو كان ديناً معجّلاً أو مؤجّلاً حلّ أجله وحكم الحاكم الّذي ليس له أهلية القضاء بردّه إلى صاحب المال ، فلا مانع من أخذه بوجه لأنه بعينه وخصوصياته مال لمالكه ، أو أن له أن يأخذه ويحسبه من دينه لحلول أجله. بل له أن يأخذه ممن هو عنده قهراً وقوة أو بحيلة ووسيلة. وعلى الجملة لا مانع في هذه الصورة من أن يأخذ مالك المال بماله مستنداً إلى حكم من ليست له أهلية ، لجواز استنقاذه منه ولو بأسباب أُخر غير حكم الحاكم فإنه ماله ويجوز أن يتصرف فيه ، وغاية الأمر أنه ردّه إليه بإكراه الحاكم الجائر ، ولا يشمله حديث رفع الإكراه ، لأنه على خلاف الامتنان لاستلزامه الضرر على صاحب المال. نعم ، ترافعهما عند من لا أهلية له وحكّام الجور محرّم كما مرّ. والحاصل أن الترافع إلى حكّام الجور وإن كان محرّماً مطلقاً بلا فرق في ذلك بين الدين والعين إلاّ أن المال المأخوذ بحكمهم إنما يحرم إذا كان ديناً مؤجّلاً لا عيناً كما عرفت ، هذا.

وقد يقال بالحرمة في جميع الصور المتقدمة من الدين والعين الشخصية ويستدل عليه بمقبولة عمر بن حنظلة : « وما يحكم به فإنما يأخذه سحتاً » أو « فحكم له فإنما يأخذه سحتاً ». فإن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الكلّي والشخصي بل الإطلاق هو ظاهر صدرها حيث سئل فيها عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فإن الميراث في مقابل الدين ظاهره العين ، وحمل الميراث على الدين بعيد جدّاً.

ثمّ إن المقبولة وإن كان موردها التحاكم إلى السلطان أو القضاء إلاّ أن عموم تعليلها : لأنه أخذ بحكم الطاغوت ، يقتضي عدم الفرق بينهما وبين ما إذا كان الحاكم من المؤمنين الفاقدين لشرائط القضاء لأنه يشمل كل طاغ ، والمتصدي للقضاء المحرّم طاغ.

۳۷۹