« اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي » (١) لدلالتها على أن القضاء من المناصب المختصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي عليه‌السلام فلا يشرع لغيرهما إلاّ بالاذن من قبلهما على نحو الخصوص أو العموم فإن المأذون من قبلهما يشمله عنوان الوصي ، بناءً على أن المراد به مطلق من عهد إليه أو أنه مندرج في عنوانه إلاّ أن القضاء المأذون فيه من قبلهما في طول قضائهما ومتفرع على ولايتهما في القضاء. وظاهر الصحيحة أن ولاية القضاء لم تثبت لغيرهما في عرضهما لا أنها لم تثبت لغيرهما حتى إذا أذنا في القضاء ، والقدر المتيقن ممن اذن له في القضاء هو المجتهد الجامع للشرائط ، أعني من له أهلية القضاء إذن فغيره ممن لا أهلية له يبقى مشمولاً للصحيحة النافية لمشروعية القضاء عن غير النبي والوصي عليه‌السلام.

وأيضاً يدل عليه صحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه » (٢) لدلالتها على أن جواز القضاوة ومشروعيتها تحتاج إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٧ / أبواب صفات القاضي ب ٣ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.

ثمّ إنّا قد أسبقنا شطراً مما يرجع إلى وثاقة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال في ذيل ص ٢٢٤ وذكرنا أن الشيخ قد ضعّفه في فهرسته ، ووثقه في موضع آخر على ما نقله عنه العلاّمة قدس‌سره إلاّ أن شيئاً من تضعيفه وتوثيقه غير قابل للاعتماد عليه وذلك لأن المتأخر منهما عدول عن المتقدم عليه ، وحيث إنّا لا نعلم أن الصادر متأخراً أيّهما فيكون كل من قولي الشيخ شبهة مصداقية للتضعيف والتوثيق ، وبذلك يسقطان عن الاعتبار ، ويبقى توثيق النجاشي وابن قولويه للرجل سليماً عن المعارض.

وهذا الّذي ذكرناه وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ أنه إنما يتم فيما إذا لم يصدر المتأخر منهما حال غفلته عمّا ذكره أولاً فإن مع التوجه والالتفات إليه لم يعقل صدور ضده أو نقيضه إلاّ عدولاً عمّا ذكره أولاً. وأما مع احتمال كونه غافلاً عمّا ذكره أولاً فلا يمكننا الحكم بأن المتأخر عدول عن سابقه لمكان غفلته ، كما لا يمكننا رفع هذا الاحتمال بأصالة عدم الغفلة المتسالم عليها عند العقلاء

۳۷۹