مرّ ، من دون فرق في ذلك بين الشهادة القولية والفعلية ، لاستقرار سيرتهم على العمل بالشهادة الفعلية كالقولية ، فإذا رأينا عدلين قد ائتما رجلاً في الصلاة مع العلم بكون ذلك منهما صادراً بالاختيار وبداعي انعقاد الجماعة كشف ذلك عن عدالته.

بل ذكرنا في محلّه (١) أن الموضوعات الخارجية كما تكفي فيها البينة الاصطلاحية تكفي فيها شهادة العدل الواحد ، إلاّ فيما خرج بالدليل كما في موارد الترافع ونحوه بل لا تعتبر العدالة أيضاً لكفاية الوثوق في الاعتبار ، فإن عمدة الدليل على حجية خبر الثقة في الأحكام الشرعية هو السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها في الشريعة المقدسة ، وهي بعينها قائمة على اعتباره في الموضوعات من غير أن يردع عنها الشارع كما بيّناه في البحث عمّا تثبت به النجاسة ، وما يثبت به الاجتهاد والأعلمية.

نعم ، في كفاية شهادة العدلين في العدالة والاجتهاد ونظائرهما إشكال آخر وحاصله : أن الشهادة إنما تعتبر في الأُمور المحسوسة بإحدى الحواس ، والعدالة والاجتهاد ونظائرهما أُمور مختفية عن الحواس ، ولا اعتبار بالشهادة في الحدسيات لأن المشهود به يعتبر أن يكون أمراً قابلاً للاحساس.

ويندفع بما أشرنا إليه من أن الشهادة إنما لا تعتبر في الأُمور المتمحّضة في الحدسية وأما الأُمور الحدسية القريبة من الإحساس فلا مانع من اعتبار الشهادة فيها بوجه لإمكان استكشافها بآثارها ، كما هو الحال في الملكات والصفات النفسانية بأجمعها كالجبن والشجاعة والسخاوة ، فكما إذا شاهدنا أحداً يقدم على المخاوف والأُمور الخطيرة مراراً متعددة ، استكشفنا شجاعته كاستكشاف جبنه من عكسه ، كذلك الحال في العدالة والاجتهاد وما شابههما ، فإذا رأينا أحداً يتمكن من الجمع بين الروايتين وله التصرف والتحقيق في غير مورد من المسائل ، أو أنه ساتر لعيوبه ومتعاهد للصلوات في أوقاتها وظاهره حَسَن في جملة من الموارد ، استكشفنا أنه واجد للاجتهاد والعدالة أو لملكتهما على القول بالملكة.

ثمّ إن العدالة تمتاز عن الاجتهاد وغيره في أن لها طريقاً آخر لاستكشافها دون الاجتهاد ونظائره وهو حُسن الظاهر كما مرّ.

__________________

(١) في المسألة [٢١٤].

۳۷۹