أحدهما : ما ورد في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة (١) من قوله عليه‌السلام : « والدليل على ذلك أن يكون ساتراً لجميع عيوبه ... » وذلك بتقريب أن العيوب فيها مطلقة فتعم العيوب العرفية والشرعية ، فإذا ارتكب المكلف ما هو عيب لدى العرف فلا يصدق أنه ساتر لجميع عيوبه ، فلا يمكن الحكم بعدالته.

ويدفعه : أنها وإن كانت مطلقة في نفسها إلاّ أن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع وكون الإمام عليه‌السلام هو الملقي للكلام قرينة متصلة ظاهرة في صرفها إلى العيوب والنقائص الشرعية ، لأن كونه صادراً من الإمام عليه‌السلام يقتضي أن يراد بها ما هو العيب لدى الشارع لا ما هو كذلك لدى الغير. إذن لا يكون ارتكاب ما هو خلاف المروّة منافياً للعدالة بوجه.

وثانيهما : أن من لم يخجل من الناس ولم يستحي عن غير الله سبحانه بأن لم يبال بالنقائص العرفية لم يخجل ولم يستحي من الله وذلك لأن عدم مبالاته بتلك الأُمور يكشف عن أنه ممن لا حياء له.

وفيه : أن عدم مبالات الإنسان بالأُمور الدارجة لدى الناس وعدم استحيائه وخجله عن غير الله سبحانه لا كاشفية له عن عدم استحيائه من الله ، وذلك لأنه قد يكون ذلك مستنداً إلى كونه متفانياً في الله وفي الأُمور الأُخروية ومتمحّضاً فيما يرجع إلى النشأة الباقية ، ولأجله لا يعتني بغير الله جلت عظمته ولا يهمه الأُمور الدنيوية ولا يبالي بما هو ممدوح أو مذموم لدى الناس ، ومعه كيف يكون عدم مبالاته بالأُمور المتعارفة والدنيوية كاشفاً عن عدم خجله واستحيائه من الله سبحانه. إذن لا تلازم بين الأمرين. والإنصاف أن هذا الوجه أضعف من سابقه ، وعلى الجملة أن ارتكاب ما ينافي المروّة غير قادح للعدالة.

نعم ، ارتكاب ما يعدّ خلاف المروّة قد يكون أمراً غير مناسب للمرتكب بل هتكاً في حقه ، كما إذا خرج أحد المراجع العظام إلى الأسواق بلا عباء أو جلس في الطرقات ، أو دخل المقاهي وبالأخص إذا اقترنه بعض الأُمور غير المناسبة ، فإنه‌

__________________

(١) راجع ص ٢٢٠.

۳۷۹