الإصرار على الصغيرة بنفسه من الكبائر ولا صغيرة مع الإصرار. ومقتضى إطلاق كلام الماتن في المقام أن العدالة يعتبر فيها التجنب عن كل من الصغائر والكبائر وأن ارتكاب أي منهما قادح في تحققها. وذكر في المسألة الثانية عشرة من شرائط إمام الجماعة أن المعتبر في العدالة عدم الإصرار على الصغائر لا عدم ارتكابها أصلاً ، وهما كلامان متنافيان وما أفاده في المقام هو الصحيح ، ولا فرق بين المعاصي الكبيرة والصغيرة وأن ارتكاب أية معصية ينافي العدالة والاستقامة في جادة الشرع.

ويدلنا على ذلك ملاحظة نفس العدالة بمفهومها ، حيث إن ارتكاب المعصية على إطلاقها انحراف عن الجادة وتعد وطغيان وخروج عن زي العبودية ، ومانع عن كون مرتكبها خيّراً أو مأموناً أو عفيفاً أو غير ذلك من العناوين المتقدمة بلا فرق في ذلك بين الصغائر والكبائر ، وكذلك الحال بالإضافة إلى ستر العيوب لو تمت الرواية المتقدمة فإن ارتكاب الصغائر ينافي ستر العيوب ولا يتصف مرتكبها بأنه ساتر لعيوبه فإن المعصية من العيوب وكيف لا يكون معصية الله سبحانه عيباً وهي خروج عن وظيفة العبودية. فإذا فرضنا مثلاً أن أحداً يتطلع دار جاره وينظر إلى من يحرم عليه النظر إليه ، سلب ذلك عنه العفة والمأمونية والخير والصلاح فلا يقال إنه عفيف أو مأمون أو خيّر ، مع أنه من الصغائر التي لم يتوعد عليها بالنار في الكتاب. إذن نفس العدالة بمفهومها يقتضي عدم الفرق بين الكبائر والصغائر.

ومن هنا ذهب جمع إلى أن المعاصي كلّها كبيرة في نفسها فإن معصية الكبير كبيرة على كل حال ، وإنما تقسّم المعاصي إلى الصغائر والكبائر من جهة مقايستها بما هو أعظم منها ، وذلك لوضوح أن معصية الزنا أكبر وأعظم من معصية الغيبة ، كما أن معصية قتل النفس المحترمة أعظم من معصية الزنا وهكذا. وعلى الجملة المعاصي منافية للعدالة بإطلاقها ، هذا.

واستدل لما ذهب إليه المشهور من أن الصغائر غير قادحة في العدالة بوجوه :

الأوّل : وهو العمدة رواية عبد الله ابن أبي يعفور المتقدمة (١) لما ورد فيها من قوله : « وتعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار » بتقريب أن الاجتناب عن‌

__________________

(١) راجع ص ٢٢٠.

۳۷۹