(قدس‌سرهم) مدعياً أن الاستقامة العملية في جادة الشرع تلازم الكف والاجتناب عن المعاصي ، وأن السرّ في التعريف باللاّزم أن اللاّزم أقرب إلى الفهم عن ملزومه غالباً ، فالكف والاجتناب معرّفان منطقيان للعدالة (١).

والوجه فيما ذكرناه أن الاشتهار والمعرّفية بالستر والعفاف ليسا من لوازم الاستقامة العملية بوجه وإنما هما معرّفان وكاشفان تعبديان عن العدالة فحسب.

إذن الصحيح أن الرواية ليست لها أية دلالة على اعتبار الملكة في العدالة بل لا نظر لها إلى بيان حقيقة العدالة بنفسها أو بلازمها وإنما أوكلته إلى الراوي نفسه ، لوضوح معناها عند كل من يفهم اللغة العربية أعني الاستقامة وعدم الانحراف كما مرّ ، ولعلّه لذلك لم يسأله الراوي أيضاً عن حقيقة العدالة ، فهي ساكتة عن بيانها بنفسها أو بلازمها وإنما سيقت لبيان كاشفها ومعرّفها ، لأنه مورد السؤال عن الإمام عليه‌السلام وقد جعلت الكاشف عنها هو الاشتهار والمعروفية والستر وغيرهما مما ورد في الحديث. إذن هي كواشف تعبدية عن العدالة ، وأما أن العدالة أي شي‌ء فالرواية ساكتة عن بيانها ، إذ لا يكاد أن يستفاد منها غير أنها كواشف عن العدالة وأن الارتباط بينها وبين العدالة من ارتباط المعرِّف والمعرَّف والكاشف والمنكشف وحيث إن معرفة كون المكلف معروفاً بالعفاف يتوقف على الصحبة وطول المعاشرة فقد جعل عليه‌السلام الاجتناب عن الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار طريقاً وكاشفاً عن المعروفية بترك المحرمات والإتيان بالواجبات وذلك بداعي التسهيل للمكلفين.

ثمّ إن كونه مجتنباً عن الكبائر لما لم يكن أمراً ظاهراً في نفسه وكان محتاجاً إلى طول المعاشرة ، لأن المكلف قد يجتنب عن المفطرات مثلاً وبذلك يحسبه الناس صائماً وغير مرتكب للمحرّم ، إلاّ أنه يمكن أن لا ينوي الصوم أصلاً أو يأتي به رياءً ليكون تاركاً للواجب وآتياً بالمحرّم من دون أن يلتفت الناس إليه ، احتاج ذلك أيضاً إلى طريق كاشف عنه بالسهولة ولو بالتعبد. وقد جعل عليه‌السلام الكاشف عن ذلك كون الرجل ساتراً لجميع عيوبه وهذا هو المعبّر عنه بحسن الظاهر في كلماتهم ، بأن لا يكذب عندهم ولا يغتاب ولا يعامل معاملة ربوية ويتحفظ على جميع عيوبه ، ولا‌

__________________

(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد ( الأصفهاني ) : ٨٢.

۳۷۹