أكثر المسلمين كما على التعريف المتقدم لتوقفه على إحراز حسن الظاهر ، المتوقف على المعاشرة في الجملة ولو برؤيته آتياً بالواجبات وغير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثاً أو أكثر ، هذا.

والصحيح أن حسن الظاهر والإسلام مع عدم ظهور الفسق ، معرّفان للعدالة لا أنهما العدالة نفسها ، لإمكان أن يكون الفاسق في أعلى مراتب الفسق باطناً متحفظاً على جاهه ومقامه لدى الناس ، فهو مع أنه حَسَن الظاهر محكوم بالفسق في الواقع لارتكابه المعاصي ، ولا مساغ للحكم بعدالة مثله بوجه لقوله عزّ من قائل ﴿ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١) مشيراً إلى مرتكبي المعاصي ولو في الباطن. وكذلك الحال في الإسلام وعدم ظهور الفسق ، فإن هذا العنوان بنفسه يدلنا على أن الفسق أمر واقعي قد يظهر وقد لا يظهر ، فمع أن المكلف فاسق في الواقع لارتكابه المعصية في الباطن كيف يمكن أن يكون عادلاً من جهة عدم ظهور الفسق منه. إذن هما طريقان ومعرفان للعدالة لا أنهما العدالة نفسها ، ويأتي الكلام على معرّف العدالة وطريق استكشافها قريباً إن شاء الله.

وعلى الجملة القولان الأخيران ساقطان ، ومعه لا بدّ من التكلم في أن العدالة هي الأعمال الخارجية من دون اعتبار صدورها عن الملكة النفسانية ، أو أنه يعتبر في العدالة أن تكون الأعمال صادرة عن الملكة؟

فنقول : لم تثبت للعدالة حقيقة شرعية ولا متشرعية ، وإنما هي بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الجور والانحراف ، وهي قد تستند إلى الأُمور المحسوسة فيقال : هذا الجدار عدل أو مستقيم أو أن العصا مستقيم ، فتكون العدالة والاستقامة من الأُمور المحسوسة. وقد تسند إلى الأُمور غير المحسوسة فيراد منها الاستقامة المعنوية وذلك كالعقيدة والفهم والأخلاق ، فيقال : عقيدة فلان مستقيمة أي غير مشوشة أو أن فهمه مستقيم في قبال اعوجاجه ، أو أخلاقه مستقيمة أي لا إفراط فيها ولا تفريط. وقد تسند إلى الذوات فيقال : زيد عادل ومعناه أنه مستقيم في الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إليه ، وحيث إن الشارع يراه مستقيماً في جادة الشرع فهو عادل‌

__________________

(١) النور ٢٤ : ٤ ، الحشر ٥٩ : ١٩.

۳۷۹