إذن وجوب الأُمور الثلاثة عقلي بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب. ويترتب عليه بطلان عمل المكلف التارك للاجتهاد والتقليد والاحتياط ، على ما نبينه في الفرع السابع إن شاء الله.

وليس هذا الوجوب غيرياً ولا طريقياً ولا نفسياً.

أمّا عدم كونه غيرياً فلأنّ مقدّمة الواجب على ما بيّناه في محلّه ليست بواجبة شرعاً ، وليس أمرها مولوياً بوجه وإنّما هي واجبة عقلاً لعدم حصول الواجب إلاّ بها.

على أنّا لو سلمنا وجوب المقدمة فليس الاحتياط مقدمة لأي واجب فان ما أتى به المكلّف إما أنه نفس الواجب أو أنه أمر مباح ، وهو أجنبي عن الواجب رأساً لا أنه مقدمة لوجود الواجب وتحققه ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون أصل الوجوب معلوماً وكان التردد في متعلقه كما في موارد الاحتياط المستلزم للتكرار ، وبين أن يكون أصل الوجوب محتملاً كما في موارد الاحتياط غير المستلزم للتكرار ، ومعه كيف يكون الاحتياط مقدمة لوجود الواجب.

نعم ، ضمّ أحد الفعلين إلى الآخر مقدمة علمية للامتثال ، لأن به يحرز الخروج عن عهدة التكليف المحتمل. وكذلك الحال في الاحتياط غير المستلزم للتكرار ، لا أنه مقدمة وجودية للواجب ليجب أو لا يجب ، هذا كلّه في الاحتياط.

وكذلك الاجتهاد والتقليد ، لأنهما في الحقيقة عبارتان عن العلم بالأحكام ومعرفتها ، ولا يكون معرفة حكم أي موضوع مقوماً لوجود ذلك الموضوع ومقدمة لتحققه بحيث لا يتيسّر صدوره ممن لا يعلم بحكمه ، فهذا كرّد السلام فإنه ممكن الصدور ممن لا يعلم بحكمه ، وكذلك الحال في غيره من الواجبات إذ يمكن أن يأتي بها المكلف ولو على سبيل الاحتياط من دون أن يكون عالماً بحكمها ، فلا يتوقف وجود الواجب على معرفته بالاجتهاد أو التقليد.

نعم ، لا يتمكن المكلف في بعض الموارد من الإتيان بالعمل إلاّ إذا علم بما اعتبر فيه من القيود والشروط ، كما في الموضوعات المركبة مثل الصلاة والحج فإن الجاهل بأحكامهما غير متمكن على اصدارهما ، إلاّ أنه من الندرة بمكان.

۳۷۹