إحداهما : رواية الاحتجاج المروية عن العسكري عليه‌السلام « وأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه ... » لأن ظاهرها حصر المقلّد في الفقهاء المتصفين بالأوصاف الواردة في الحديث فلا يجوز تقليد غير الفقيه.

إلاّ أنها كما قدّمنا (١) ضعيفة سنداً. على أن دلالتها على الحصر أيضاً مورد المناقشة لأن الرواية ليست بصدد بيان أن المقلّد يعتبر أن يكون فقيهاً ، وإنما هي بصدد بيان الفارق بين علماء اليهود وعلمائنا وعوامهم وعوامنا ، حيث قيل له عليه‌السلام إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم الله سبحانه بتقليدهم والقبول من علمائهم بقوله عزّ من قائل ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ وهل عوام اليهود إلاّ كعوامنا يقلّدون علمائهم ... فقال عليه‌السلام بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة وتسوية من جهة ، وبيّن أن الفرق بينهما في أن عوام اليهود قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ... والتفتوا أن من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز تقليده ، ومع هذا اتبعوا آراءهم فلذلك ذمهم الله سبحانه وبيّن أن عوامنا أيضاً كذلك إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر ، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الّذين ذمهم الله بتقليدهم لفسقة علمائهم وأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ... فللعوام أن يقلّدوه. فالرواية بصدد بيان الفارق بين الفاسق والعادل ، وليست بصدد بيان أن الفقاهة معتبرة في المقلّد.

وثانيتهما : مقبولة عمر بن حنظلة المتقدِّمة (٢) حيث ورد فيها : « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً » حيث دلت على أن القاضي يعتبر أن يكون عارفاً بأحكامهم وناظراً في حلالهم وحرامهم ، ومن الظاهر أن من عرف مسألة أو مسألتين لا يصدق عليه العارف بأحكامهم لأن ظاهره العموم والرواية ظاهرة في حصر القضاوة بمن عرف أحكامهم وبما أن منصب القضاء منصب الفتوى بعينه فلا مناص من أن يعتبر فيه ما اعتبر في باب القضاء ، والنتيجة عدم جواز المراجعة إلى المجتهد المتجزي لعدم كونه‌

__________________

(١) راجع ص ١٨٤.

(٢) راجع ص ١١٥.

۳۷۹