فالصحيح أن يستدل على حجية البينة بالمعنى المصطلح عليه بما بيّناه في البحث عن طرق ثبوت النجاسة وحاصله : أنّا علمنا من الخارج أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتمد على إخبار العدلين في موارد الترافع من غير شك واعتماده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها يدلنا على أن شهادة العدلين أيضاً من مصاديق الحجة وما به البيان ، فإنه لولا كونها كذلك لم يجز له أن يعتمد عليها أبداً ، فبهذا نستكشف أنها حجة مطلقاً من دون أن يختص اعتبارها بموارد الخصومة والقضاء لأن اعتماد الشارع عليها يدلّنا على أن خبر العدلين حجة معتبرة في مرتبة سابقة على القضاء لا أنه اتصف بالحجية بنفس القضاء ، هذا.

ثمّ إن الاجتهاد والأعلمية كما أنهما يثبتان بالبينة كذلك يثبتان بالخبر الواحد وذلك لما بيّناه في محلّه من أن خبر العدل الواحد كما أنه حجة معتبرة في الأحكام الشرعية كذلك يعتمد عليه في الموضوعات الخارجية وهذا للسيرة الجارية على الاعتماد عليه عند العقلاء مطلقاً ولم يردع عنها في الشريعة المقدسة. بل لا تتوقف حجيته على عدالة المخبر لكفاية الوثاقة في حجية الخبر وإن استشكل الماتن في حجية الخبر الواحد في الموضوعات في جملة من الموارد.

وقد يتخيّل أن الموثقة المتقدمة (١) كافية في الردع عن العمل بالخبر الواحد في الموضوعات الخارجية حيث ورد في ذيلها : « والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة » نظراً إلى أنه دلّ على حصر المثبت بالاستبانة وقيام البينة ، فلو كان الخبر الواحد أيضاً حجة مثبتة للموضوعات الخارجية كالبينة لبيّنه عليه‌السلام ويدفعه ، أوّلاً : أن الموثقة ليست بصدد الحصر أبداً وذلك لوضوح أن الأشياء كما أنها تثبت بالاستبانة والبينة كذلك تثبت بالاستصحاب والإقرار وحكم الحاكم وغيرها ، فلو كانت بصدد حصر المثبت فيهما لاستلزم ذلك تخصيص الأكثر المستهجن.

وثانياً : أن البينة في الموثقة كما قدّمناه بمعنى الحجية وما به البيان وهذا هو الّذي دلّت الموثقة على حجيته في قبال العلم الوجداني والاستبانة ، وأما تطبيق ذلك على‌

__________________

(١) راجع ص ١٧٢.

۳۷۹