بالإضافة إليه أول الكلام ، فلا مناص من أن يرجع إلى الأدلة حتى ينتهي نظره إلى جواز رجوع مثله إلى الغير أو حرمته ، فتكلمنا عليه وإثباتنا جواز تقليده أو حرمته لا يكاد أن تترتب عليه ثمرة سوى أن تترجح عنده أدلة الجواز أو التحريم ليفتي على طبق الأُولى أو الثانية ، هذا.

وقد يقال بجواز رجوعه إلى الغير نظراً إلى أن الاجتهاد بالقوة والملكة ليس بعلم فعليّ للأحكام ، بل صاحبها جاهل بها بالفعل وإن كان له ملكة الاستنباط والاجتهاد ، ولا مانع من رجوع الجاهل إلى العالم. وهذا القول منسوب إلى صاحب المناهل قدس‌سره (١).

وعن شيخنا الأنصاري قدس‌سره في رسالته الموضوعة في الاجتهاد والتقليد دعوى الاتفاق على عدم الجواز لانصراف الإطلاقات الدالة على جواز التقليد عمّن له ملكة الاجتهاد ، واختصاصها بمن لا يتمكن من تحصيل العلم بها (٢).

وما أفاده قدس‌سره هو الصحيح وذلك لأن الأحكام الواقعية قد تنجزت على من له ملكة الاجتهاد بالعلم الإجمالي أو بقيام الحجج والأمارات عليها في محالّها وهو يتمكن من تحصيل تلك الطرق ، إذن لا بدّ له من الخروج عن عهدة التكاليف المتنجزة في حقه ولا يكفي في ذلك أن يقلّد الغير ، إذ لا يترتب عليه الجزم بالامتثال فإنه من المحتمل أن لا تكون فتوى الغير حجة في حقه لوجوب العمل بفتيا نفسه ونظره ، فلا يدري أنها مؤمّنة من العقاب المترتب على مخالفة ما تنجز عليه من الأحكام الواقعية والعقل قد استقل بلزوم تحصيل المؤمّن من العقاب ومع الشك في الحجية يبني على عدمها ، فإن الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها على ما بيّناه في محله (٣).

ولا يقاس صاحب الملكة بمن ليست له ملكة الاجتهاد بالفعل إلاّ أنه يتمكن من تحصيلها لاستعداده وقابليته ولو بالاشتغال بالدراسة سنين متمادية ، وذلك لأنه غير متمكن حقيقة من تحصيل العلم التعبدي بالأحكام ولا يحتمل حرمة التقليد عليه بأن‌

__________________

(١) المناهل : ٦٩٩ سطر ١١.

(٢) الاجتهاد والتقليد : ٥٣.

(٣) مصباح الأُصول ٢ : ١١١.

۳۷۹