موقوف على المعرفة بالكبريات وحسن السليقة في تطبيقها على مصاديقها ، ولا يكفي في الأعلمية مجرد كون الطبيب أقوى في الكبريات أو أكثر اطلاعاً على الأمثال والفروع. بل لا بدّ مضافاً إلى إحاطته بأقسام المرض وطرق معالجتها وأدويتها أن يكون أعرف بتطبيق كبرياتها على مصاديقها ، فكذلك الحال في المقام. فلا اعتبار فيما نحن فيه بأكثرية الإحاطة بالفروع والأقوال والكلمات لأنها غير راجعة إلى الأعرفية في التطبيق ، لوضوح أنها ليست إلاّ حفظ الفتاوى والفروع وأجنبية عن الاستنباط بالكلّية ، كما أن شدة الاقتدار العلمي بالكبريات غير راجعة إلى الأعرفية في الاستنباط ، فإن ربّ شخص له اليد الطولى في الأُصول ، إلاّ أنه ضعيف في التطبيق والاستنباط ، هذا.

بل الأمر كما ذكرناه وإن فرضنا أن الأعلم بحسب الهيئة أعني هيئة أفعل يشمل الأقوائية في القواعد والكبريات أو الأكثرية من حيث الإحاطة بالفروع والكلمات وذلك لأن الحكم بوجوب تقليد الأعلم لم يرد في شي‌ء من الأدلة اللفظية ليلاحظ أن الأعلم هل هو ظاهر لدى العرف فيما يشمل الأعلمية من حيث القواعد والكبريات أو الإحاطة بالفروع والأقوال أو غير ظاهر في ذلك ، وإنما الحكم بوجوب تقليده مستند إلى بناء العقلاء أو العقل من باب قاعدة الاشتغال على ما قدّمنا تفصيله ، ولا شبهة في أن الأعلم الّذي يجب تقليده لدى العقلاء أو العقل إنما هو بالمعنى الّذي ذكرناه أعني الأعرف بتطبيق الكبريات على مصاديقها ، لأن الطبيب الأعلم عندهم من يكون أعرف بتطبيق الكبريات الطبية على صغرياتها كما مرّ.

وبما ذكرناه يظهر أن كثرة العلم بالمسائل والفروع بحيث يكون معلومه بحسب العدد أكثر من غيره ، غير راجعة إلى الأعلمية فإنها أمر خارج عن الأعرفية في التطبيق. مضافاً إلى أن العالمية والأعلمية إنما تلاحظان بالإضافة إلى شي‌ء واحد فيقال : زيد عالم بمسألة كذا وعمرو أعلم بها منه. وأما إذا كان هناك شيئان يعلمهما أحد المجتهدين ولم يعلم الآخر إلاّ بأحدهما فلا يصح أن يقال : إن الأول أعلم من الآخر بل هما متساويان في العلم بأحدهما ، وفي الآخر أحدهما عالم والآخر لا علم له به أصلاً لا أن الأول أعلم.

۳۷۹