وإن كان مطابقاً للواقع ، والظاهر أنه استند في ذلك إلى أن المقصّر الملتفت لا يتمشى منه قصد التقرب في عباداته ، وذلك بقرينة قوله عند الحكم بصحة عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل : وحصل منه قصد القربة.

والصحيح أن عمل الجاهل المقصّر كالقاصر محكوم بالصحة ملتفتاً كان أم لم يكن إذا كان مطابقاً للواقع ، وذلك أما في التوصليات فلأجل أن الأُمور التوصلية لا يعتبر فيها غير الإتيان بها مطابقة للواقع ، والمفروض أن المقصّر أو غيره أتى بما أتى به مطابقاً للواقع.

وأما في العبادات فلأن العبادة كالواجب التوصلي وإنما تفترقان في أن العبادة زائداً على لزوم إتيانها بذاتها يعتبر إضافتها إلى المولى جلّ شأنه نحو إضافة ، وهذا أمر ممكن الصدور من الجاهل ، أما غير الملتفت فظاهر وأما الملتفت فلأنه إذا أتى بها برجاء أنها مما أمر به الله سبحانه تحققت به الإضافة نحوه ، فإذا كانت مطابقة للواقع كما هو مفروض الكلام وقعت صحيحة لا محالة.

نعم ، الّذي لا يتمكن منه الجاهل الملتفت إنما هو الجزم بأن ما يأتي به مأمور به من الله لتردده وعدم علمه بذلك بحيث لو أتى به جازماً بأنه مأمور به في الشريعة المقدسة فقد شرّع. إلاّ أنّا قد أسبقنا (١) عند التكلم على مشروعية الاحتياط أن الجزم بالنية غير معتبر في صحة العبادات وأن الإتيان بها برجاء أن لا يكون تاركاً للعبادة على تقدير وجوبها في الواقع يكفي في صحتها وسقوط أمرها وامتثاله إذا كانت مطابقة للواقع ، وهذا يبتني على مسألة جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي وتحصيل العلم بالمأمور به ، وقد أسمعناك جوازه فراجع.

إذن لا موجب للحكم ببطلان عمل الجاهل المقصّر الملتفت إذا انكشفت مطابقته للواقع.

نعم ، ذكر شيخنا الأنصاري قدس‌سره أن ظاهر كلام السيد الرضي قدس‌سره في مسألة الجاهل بوجوب القصر وظاهر تقرير أخيه السيد المرتضى ( قدّس‌

__________________

(١) راجع ص ٥١.

۳۷۹