أحدهما : مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها من الأخبار المشتملة على الترجيح بالأورعية في باب القضاء ، بدعوى دلالتها على أن اللاّزم عند المعارضة هو الأخذ بما يقوله أورعهما.

ثانيهما : الإجماع على أن العامّي ليس له العمل بالاحتياط بل دائماً لا بدّ أن يستند في أعماله إلى فتوى من يجوز تقليده من المجتهدين ، كما لعلّه ظاهر كلام بعضهم. وهذا يقتضي الترجيح بالأورعية على ما يأتي تقريبه.

وكلا الوجهين غير قابل للمساعدة عليه :

أما الاستدلال بالمقبولة ونحوه : فلأنها واردة في القضاء وقد ذكرت الأورعية مرجحة فيها للحكمين ، وأين هذا مما نحن فيه أعني ما إذا تعارضت فتوى الأورع لفتوى غير الأورع مع تساويهما في الفضيلة. وقد قدّمنا أن المرجح في باب الحكومة لا يلزم أن يكون مرجحاً في باب التقليد أيضاً لأنه قياس ولا نلتزم بالقياس.

ويقرّب ما ذكرناه أن المقبولة ونحوها قد اشتملت على الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية والأورعية ، وظاهرها أن كلا من تلك الصفات مرجح بالاستقلال ، لا أن المرجح مجموعها وإن كانت قد جمعت في البيان ، وعليه لو قلنا بشمولها للفتويين المتعارضتين فلا مناص من الحكم بتساقطهما فيما إذا كان أحد المجتهدين أفقه مثلاً والآخر أورع ، لاشتمال كل منهما على مرجح فيتساقطان. وهذا لا يلتزم به الخصم فإن الأعلم هو المتعين عند التعارض وإن كان غير الأعلم أورع. وهذه قرينة كاشفة عن أن المقبولة ونحوها غير شاملة للفتويين المتعارضتين ، هذا مضافاً إلى ما تقدم من أن المقبولة ضعيفة السند.

وأما الإجماع المدعى : فإن قلنا إنه تام في نفسه فلا مناص من أن تكون الأورعية مرجحة في المقام ، لأن العامّي مكلف حينئذٍ بالرجوع إلى أحد المجتهدين المتساويين في الفضيلة ، فإذا كان أحدهما أورع كما هو الفرض دار الأمر بين أن تكون فتوى كل منهما حجة تخييرية ، وأن تكون فتوى الأورع حجة تعيينية ، وقد قدّمنا سابقاً أن الأمر في الحجية إذا دار بين التعيين والتخيير وجب الأخذ بما يحتمل تعينه للقطع بحجيته والشك في حجية الآخر ، وقد مرّ غير مرة أن الشك في الحجية يساوق القطع‌

۳۷۹