بل المراد بالأعلمية أن يكون أحد المجتهدين أقوى وأدق نظراً في تحصيل الحكم عن مداركه وأمتن استنباطاً لها عن مبادئ تحصيله بأن يكون أعرف بالقواعد والكبريات وكيفية تطبيقها على صغرياتها لحسن سليقته. إذن فالأعلم مطلع على جملة من المزايا والخصوصيات الدخيلة في عرفانه لكيفية تطبيق الكبريات على صغرياتها وفي حسن سليقته بخلاف غير الأعلم ، فنسبة الأعلم إلى غير الأعلم كنسبة العالم إلى الجاهل ، ولا مسوّغ لتقليد الجاهل بوجه (١).

ويرد على ذلك : أن المراد بالأقربية إن كان هو الأقربية الطبعية والاقتضائية بمعنى أن الأعلم من شأنه أن تكون فتواه أقرب إلى الواقع من فتوى غيره ، فالصغرى صحيحة والأمر كما ادعى إلاّ أنه لا كبرى تنطبق على تلك الصغرى ، حيث إن الأقربية الطبعية لم تجعل ملاكاً للتقليد ولا لوجوبه.

وإن أُريد بالأقربية ، الأقربية الفعلية بأن تكون الفتيا الصادرة عن الأعلم أقرب إلى الواقع بالفعل بالإضافة إلى فتوى غير الأعلم ، فالصغرى غير مسلمة ولا مثبت لدعوى الأقربية ، إذ لا يمكن أن يقال : إن فتيا الأعلم أقرب إلى الواقع مطلقاً ، كيف وقد يكون فتوى غير الأعلم موافقة للمشهور ولفتيا الأساطين والمحققين كشيخنا الأنصاري وصاحب الجواهر وغيرهما ممن هو أعلم من الحي بمراتب ، ومع كون فتوى الأعلم على خلاف المشهور كيف تكون أقرب إلى الواقع من فتوى غير الأعلم.

هذا ثمّ لو تنزلنا عن ذلك وبنينا على أن فتوى الأعلم أقرب من فتوى غيره ، إلاّ أنّا نطالب الدليل على أن الأقربية مرجحة ، ولم يقم أي دليل على أن الملاك في التقليد ووجوبه هو الأقربية إلى الواقع ، إذ العناوين المأخوذة في لسان الأدلة كعنوان العالم والفقيه وغيرهما صادقة على كل من الأعلم وغير الأعلم وهما في ذلك سواء لا يختلفان وهذا يكفي في الحكم بجواز تقليدهما.

وعلى الجملة أن الأقربية كما أنها ليست مرجحة في الروايتين المتعارضتين ومن هنا قد تعارض الصحيحة مع الموثقة ، ولا في البينتين المتنافيتين لوضوح أن إحداهما‌

__________________

(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد ( الأصفهاني ) : ٥٤.

۳۷۹