والمتحصل : أن الأفقهية وبقية الأوصاف الواردة في الرواية من مرجحات الحكمين فهي راجعة إلى القضاء وأجنبية عن باب الفتوى بالكلّية.

الثالث : أن الأعلمية المبحوث عنها في المقام إنما هي الأعلمية المطلقة لبداهة أن الأعلمية النسبية والإضافية غير كافية في تعيّن الرجوع إليه ، فإن كون شخص أعلم من غيره مع وجود من هو أعلم من كليهما لا يترتب عليه أي أثر في المقام ، والأفقهية الّتي ذكرت مرجحة في الرواية إنما هي الأفقهية الإضافية لقوله عليه‌السلام الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ، ومعناه أن كون أحد الحاكمين أفقه من غيره مرجح في باب القضاء ، إذ لا يعتبر في الحاكم الأعلمية المطلقة ، وأين هذا من الأعلمية فيما نحن فيه ، فالأعلمية المرجّحة في باب القضاء وتعارض الحاكمين غير الأعلمية المعتبرة في المقام.

ومنها : ما عن علي عليه‌السلام في عهده إلى مالك الأشتر : « اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك » (١).

وهذا على فرض العمل به في مورده ، أجنبي عن اعتبار الأعلمية في محل الكلام لأنه إنما دلّ على اعتبار الأفضلية الإضافية في باب القضاء وأن القاضي يعتبر أن يكون أفضل بالإضافة إلى رعية الوالي المعيّن له ، ولا يعتبر فيه الأفضلية المطلقة. وهذا أيضاً يختص بباب القضاء ولا يأتي في باب الإفتاء ، لأن المعتبر فيه هو الأعلمية المطلقة على ما اتضح مما بيّناه في الجواب عن الاستدلال بالمقبولة المتقدمة.

ومنها : ما رواه في البحار عن كتاب الاختصاص قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من تعلّم علماً ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس إلى نفسه يقول : أنا رئيسكم فليتبوأ مقعده من النار ، إن الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها فمن دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة » (٢).

__________________

(١) نهج البلاغة ٤٣٤.

(٢) البحار ٢ : ١١٠.

۳۷۹