وثانيهما : فيما تقتضيه وظيفة المجتهد حسبما يستظهره من الأدلة الاجتهادية وأنه هل يمكنه الإفتاء بجواز الرجوع إلى غير الأعلم أو ليس له سوى الحكم بوجوب تقليد الأعلم؟

أمّا المورد الأوّل : فلا ينبغي التوقف في أن العامّي يستقل عقله بلزوم الرجوع إلى الأعلم عند العلم بالمخالفة بينه وبين غير الأعلم في الفتوى ، وذلك لدوران الأمر بين أن تكون فتوى كل من الأعلم وغيره حجة تخييرية ، وبين أن تكون فتوى الأعلم حجة تعيينية للعلم بجواز تقليد الأعلم على كل حال سواء استند في أصل مشروعيته إلى الارتكاز وبناء العقلاء أم استند إلى دليل الانسداد ، ففتوى الأعلم إما أنها في عرض فتوى غير الأعلم فالمكلف يتخير في الرجوع إلى هذا وذاك أو أنها متقدمة على غيرها ، وحيث إن فتواه متيقنة الحجية وفتوى غير الأعلم مشكوكة الاعتبار فيستقل عقل العامّي بوجوب تقليد الأعلم وعدم جواز الرجوع إلى غيره للشك في حجية فتواه وهو يساوق القطع بعدمها ، فإن غير ما علم حجيته يقترن دائماً باحتمال العقاب ، والعقل يستقل بلزوم دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب.

إذن النتيجة وجوب تقليد الأعلم حسبما يدركه عقل العامّي واجتهاده ، وقد قدّمنا أن مسألة جواز التقليد ليست تقليدية.

وأمّا المورد الثاني : فتفصيل الكلام فيه أن للمسألة صوراً ثلاثاً :

الاولى : ما إذا علمت موافقة الأعلم وغير الأعلم في الفتوى بجميع خصوصياتها.

الثانية : ما إذا علمت مخالفتهما في الفتوى كما إذا أفتى الأعلم بوجوب شي‌ء وأفتى غير الأعلم بحرمته أو بإباحته.

الثالثة : ما إذا شككنا في ذلك ولم يعلم موافقتهما أو مخالفتهما.

أما الصورة الأُولى : أعني صورة العلم بالموافقة فهي وإن كانت من الندرة بمكان إلاّ أنها لو اتفقت في مورد لم يجب فيها تقليد الأعلم بوجه ، وذلك لأن الحجية على ما تقدم من أدلتها إنما ثبتت لطبيعي فتوى العالم أو الفقيه على نحو صرف الوجود والعامّي إذا عمل بفتياهما فقد عمل على طبق فتوى الفقيه ، وهذا يكفي في الامتثال ، إذ لم يقم دليل على وجوب تعيين المجتهد المقلد له وتمييزه ، فإن حال المقام حال ما إذا قام‌

۳۷۹