ثمّ إن الموافقة الالتزامية وإن لم يقم دليل على وجوبها ، إلاّ أن لتعارض الحجتين خصوصية مستتبعة للالتزام بناءً على القول بالتخيير ، وذلك لما قدّمناه من أن الحجية التخييرية لا معنى لها سوى إيكال أمر الحجية إلى المكلف بحيث يتمكن من جعل ما ليس بحجة حجة ، وذكرنا أن معنى ذلك أن الحجية الفعلية متوقفة على أخذ المكلف واختياره ، ولا معنى للأخذ والاختيار سوى الالتزام بتطبيق العمل على طبق إحدى الفتويين أو غيرهما من الأمارات المتعارضة ، فوجه الحاجة إلى الالتزام في تلك الموارد أن موضوع الحجية التخييرية لا يتحقق من دونه وليس ذلك مستنداً إلى أن التقليد هو الالتزام أو إلى القول بوجوب الموافقة الالتزامية في الأحكام.

ثمّ إن كون الحجية منوطة بالاختيار إنما يخص القول بالتخيير عند تعارض الحجتين ، لوضوح أن حجية الحجة إذا لم تكن معارضة غير منوطة بالاختيار بل يتوقف فعليتها على العلم بها فحسب.

وبما سردناه يظهر أن متعلق الالتزام إنما هو الاستناد إلى الفتوى المأخوذ بها في مقام الامتثال ولا يلزم أن يكون متعلقه حكماً تخييرياً كما أفاده قدس‌سره حتى بناء على وجوب الموافقة الالتزامية أو تفسير التقليد بالالتزام ، وذلك أما بناء على وجوب الموافقة الالتزامية فلأن متعلق الالتزام إنما هو الحكم الواقعي ، فإن كان معلوماً تفصيلياً للمكلف فهو ، وأمّا إذا كان معلوماً إجمالياً له فلا مناص من أن يلتزم بالحكم الواقعي على إجماله وتردده.

وأمّا بناءً على أن التقليد هو الالتزام فمن الظاهر أن الالتزام إنما يتعلق بالعمل على طبق الفتوى المأخوذ بها ، والاستناد إليها في مقام الامتثال. والمتلخص أن الالتزام لا يلزم أن يتعلق بالحكم الفعلي أو التخييري ليدعى أن استصحاب الحكم المختار لا يكون موجباً للتعين وأن مقتضى الاستصحاب بقاء كل من الحكمين على ما كان عليه أولاً.

فعلى ما بيّناه يكون استصحاب الحكم الّذي أفتى به المجتهد الأول وكذا استصحاب الحجية التعيينية لفتواه معارضاً باستصحاب الحجية التخييرية لفتوى المجتهد الآخر.

۳۷۹