إنّه فعله تعالى وعدم الرضا به من حيث الكسب ، لبطلان الكسب أوّلاً ، وثانياً فلأنّا نقول: إن كان كون الكفر كسباً بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم ، وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر.

واعلم أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد بيّن معنى القضاء والقدر وشرحهما شرحاً وافياً في حديث الأصبغ بن نباتة لمّا انصرف من صفين ، فإنّه قام إليه شيخ فقال له : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطأنا موطأً ولا هبطنا وادياً ولا علونا تلعة إلّا بقضاء وقدر».

فقال له الشيخ : عند الله أحتسب عنائي ، ما أرى لي من الأجر شيئاً.

فقال له : «مه أيّها الشيخ ، بل عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين».

فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا؟

فقال : «ويحك ، لعلك ظننت قضاء لازماً وقدراً حتماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود

__________________

ـ بالاضطرار والإكراه ، أو بالاختيار والحرية ، وتعلّق مثل هذا العلم لا ينتج الجبر ، بل يلازم الاختيار ، ولو صدر كل قسم على خلاف ما اتّسم به ، لكان ذلك تخلفاً عن الواقع.

۳۰۸۱