أقول : اختلف الناس هنا ، فقال قوم : إنّ التوبة تسقط العقاب بذاتها ، لا على معنى أنّها لذاتها تؤثر في إسقاط العقاب ، بل على معنى أنّها إذا وقعت على شروطها والصفة التي بها تؤثر في إسقاط العقاب أسقطت العقاب من غير اعتبار أمر زائد.
وقال آخرون : إنّها تسقط العقاب لكثرة ثوابها.
واستدل المصنف رحمهالله على الأوّل بوجوه :
__________________
ـ الثواب كتوبة الخارج عن طاعة الإمام ، إذا تاب عن الكذب فتقبل توبته ويسقط العقاب ولكن لا بثوابها لأنّ الخارجي محروم عن الثواب ، فلو كانت التوبة مؤثرة بثوابها لزم عدم قبول التوبة في هذه الصورة.
ب ـ لولاه لما يبقى الفرق بين التقدم والتأخر ، وفي بعض النسخ : ولولاه لانتفى الفرق بين التقدم والتأخر ، ومقصوده أنّه لو كانت التوبة مؤثرة بإثارة كثرة الثواب يجب أن تكون مؤثرة أيضاً إذا وقعت قبل المعصية ، فالثواب المتحصل بالتوبة المتقدمة يزيل عقاب العمل المتأخر. ولا يخفى ضعف الاستدلال لأنّ حقيقة التوبة هي الندم عن العمل ، فما معنى الندم قبل العمل؟
ج ـ قوله : «ولا اختصاص» ، وفي بعض النسخ : «والاختصاص» ، ولعله الأصح أي انتفى الاختصاص ، مثلاً نفترض أنّ انساناً كذب واغتاب ونمّ فتاب عن الكذب فأثارت ثواباً فلا وجه لإسقاطها عقاب الأوّل ، لأنّ نسبة الثواب إلى الأعمال الثلاثة وعقوباتها سواسية.
د ـ «ولا تقبل في الآخرة لانتفاء الشرط» جواب عن استدلال الخصم على أنّ التوبة بإثارتها الثوابَ يُسقط العقابَ ، وحاصل الاستدلال أنّها لو كانت بما هي هي مسقطة له فيجب أن تكون مسقطة في الآخرة ، مع أنّها ليست كذلك ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّها مسقطة بإثارة الثواب ، فلا تكون مسقطة ، لأنّ الثواب والعقاب راجعان إلى دار التكليف وليست إلّا الدنيا وأمّا الجواب فواضح.