أقول : اختلف الناس هنا : فقال جماعة من المعتزلة : إنّ البعثة لا تجب في كل وقت ، بل في حال دون حال وهو ما إذا كانت المصلحة في البعثة.
وقال علماء الإمامية : إنّه تجب البعثة في كل وقت بحيث لا يجوز خلوّ زمان من شرع نبي.
وقالت الأشاعرة : لا تجب البعثة في كل وقت لأنّهم ينكرون الحسن والقبح العقليين وقد مضى البحث معهم.
واستدل المصنف رحمهالله على وجوب البعثة في كل وقت بأنّ دليل الوجوب يعطي العمومية ، أي دليل وجوب البعثة يعطي عمومية الوجوب في كل وقت ، لأنّ في بعثته زجراً عن القبائح وحثّاً على الطاعة فتكون لطفاً ، ولأنّ فيه تنبيه الغافل وإزالة الاختلاف ودفع الهرج والمرج ، وكلّ ذلك من المصالح الواجبة التي لا تتم إلّا بالبعثة ، فتكون واجبة في كل وقت.
قال : ولا تجب الشريعة (١).
أقول : اختلف الشيخان هنا : فقال أبو علي : تجوز بعثة نبي لتأكيد ما في العقول ولا يجب أن تكون له شريعة.
وقال أبو هاشم وأصحابه : لا يجوز أن يبعث إلّا بشريعة ، لأنّ العقل كاف في العلم بالعقليات فالبعثة تكون عبثاً.
والجواب : يجوز أن تكون البعثة قد اشتملت على نوع من المصلحة ، بأن يكون العلم بنبوته ودعائه إيّاهم إلى ما في العقول مصلحة لهم فلا تكون
__________________
(١) هل يجب أن يكون كل نبي مبعوثاً بشريعة سواء كانت لنفسه أو لمن تقدمه ، أو تكفي الدعوة إلى ما في العقول ولا تجب أن تكون له الشريعة؟ فيه خلاف بين أبي علي وابنه أبي هاشم ، والماتن اختار قول الوالد بما ذكره الشارح عنه.