والدليل على حسن البعثة أنّها قد اشتملت على فوائد وخلت عن المفاسد فكانت حسنة قطعاً ، وقد ذكر المصنف رحمهالله جملة من فوائد البعثة :
منها : أن يعتضد العقل بالنقل فيما يدل العقل عليه من الأحكام كوحدة الصانع وغيرها ، وأن يستفاد الحكم من البعثة فيما لا يدلّ العقل عليه كالشرائع وغيرها من مسائل الأصول.
ومنها : إزالة الخوف الحاصل للمكلَّف عند تصرفاته ، إذ قد علم بالدليل العقلي أنّه مملوك لغيره وأنّ التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح ، فلولا البعثة لما علم حسن التصرفات ، فيحصل الخوف بالتصرف وبعدمه إذ يجوّز العقل طلب المالك من العبد فعلاً لا سبيل إلى فعله إلّا بالبعثة فيحصل الخوف.
ومنها : أنّ بعض الأفعال حسنة وبعضها قبيحة ، ثمّ الحسنة منها ما يستقل العقل بمعرفة حسنه ومنها ما لا يستقل ، وكذا القبيحة ، ومع البعثة يحصل معرفة الحسن والقبح اللذين لا يستقل العقل بمعرفتهما.
ومنها : أنّ بعض الأشياء نافعة لنا مثل كثير من الأغذية والأدوية وبعضها ضارّ لنا مثل كثير من السموم والحشائش والعقل لا يدرك ذلك كلّه وفي البعثة تحصل هذه الفائدة العظيمة.
ومنها : أنّ النوع الإنساني خلق لا كغيره من الحيوانات ، فإنّه مدني بالطبع يحتاج إلى أُمور كثيرة في معاشه لا يتمّ نظامه إلا بها ، وهو عاجز عن فعل الأكثر منها إلّا بمشاركة ومعاونة ، والتغلب موجود في الطبائع البشرية بحيث يحصل التنافر المضادّ لحكمة الاجتماع ، فلا بدّ من جامع يقهرهم على الاجتماع وهو السنّة والشرع ، ولا بدّ للسنّة من شارع يسنّها ويقرّر ضوابطها ،