وأمّا بناء على القول بأنّ المعتبر هو عنوان وجودي ملازم لعدم لبس ما لا يؤكل أو منتزع منه ، وأنّ النهي إرشاد إلى اعتبار ذلك العنوان كما يقتضيه القول بالشرطية ، فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، للشك في حصول ذاك العنوان المنوط به الامتثال ، والأصل عدمه. وإن شئت فقل : يندرج المقام حينئذ في كبرى الشك في المحصّل التي هي مورد لقاعدة الاشتغال بلا إشكال.
ولكنّك عرفت ضعف المبنى عند التكلم حول موثقة ابن بكير (١) وأنّه لا يستفاد منها ولا من غيرها من نصوص الباب ما عدا المانعية دون الشرطية ، فلاحظ ولا نعيد ، هذا.
ومما يؤكد القول بالمانعية تسالم الأصحاب على أنّ من اضطر إلى لبس ما لا يؤكل أو الحرير أو النجس وما شاكلها مما ورد النهي عنه في الصلاة لا يجوز له الاقتحام إلا بمقدار الاضطرار ، فلا يسوغ له لبس الأكثر من القدر المضطر إليه ، وهذا خير دليل على أنّ مورد الاعتبار الشرعي هو نفس هذه الأعدام ، فيرتفع الاعتبار بمقدار الاضطرار بعد فرض الانحلال ، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها.
وهذا بخلاف ما إذا كان مورد الاعتبار هو العنوان الوجودي الملازم لهذه الأعدام ، إذ هو عنوان بسيط ملازم لجميع تلك الأعدام لا لبعضها ، فاذا سقط عن الشرطية بالاضطرار امتنع تحصيله ، ومعه لا مقتضي للاقتصار على مورد الاضطرار ، إذ لا يتفاوت الحال بينه وبين ما لو زاد عليه في مناط الحكم. فكيف ينسجم ذلك مع فتوى المشهور بلزوم الاقتصار حسبما عرفت.
إلا أن يقال : إنّ العنوان الوجودي ملازم للإعدام الممكنة وللأفراد التي يجب تركها وهي المقدورة منها ، فان كانت بأجمعها مقدورة كان ملازماً لها أجمع وإن تعذّر بعضها لاضطرار ونحوه كان ملازماً للبعض الآخر المقدور ، فيجب تركه تحصيلاً للعنوان الملازم له.
__________________
(١) في ص ٢١٨.