٢. ظهور الصيغة في الوجوب

اختلف الأصوليون في ظهور صيغة الأمر في الوجوب وفي كيفيّته على أقوال. والخلاف يشمل صيغة «افعل» وما شابهها وما بمعناها من صيغ الأمر.

والأقوال في المسألة كثيرة (١) ، وأهمّها قولان : أحدهما : أنّها ظاهرة في الوجوب ، إمّا لكونها موضوعة له (٢) ، أو من جهة انصراف الطلب إلى أكمل الأفراد (٣). ثانيهما : أنّها حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو ـ أي القدر المشترك ـ مطلق الطلب الشامل لهما من دون أن تكون ظاهرة في أحدهما (٤).

والحقّ أنّها ظاهرة في الوجوب ، ولكن لا من جهة كونها موضوعة للوجوب ، ولا من جهة كونها موضوعة لمطلق الطلب ، وأنّ الوجوب أظهر أفراده.

وشأنها في ظهورها في الوجوب شأن مادّة الأمر على ما تقدّم هناك ، من أنّ الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ووجوب الانبعاث عن بعثه ؛ قضاء لحقّ المولويّة والعبوديّة ، ما لم يرخّص نفس المولى بالترك ، ويأذن به. وبدون الترخيص فالأمر ـ لو خلّي وطبعه ـ شأنه أن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة.

فيكون الظهور هذا ليس من نحو الظهورات اللفظيّة ، ولا الدلالة هذه على الوجوب من نوع الدلالات الكلاميّة ؛ إذ صيغة الأمر ـ كمادّة الأمر ـ لا تستعمل في مفهوم الوجوب لا استعمالا حقيقيّا ولا مجازيّا ؛ لأنّ الوجوب كالندب أمر خارج عن حقيقة مدلولها ولا من كيفيّاته وأحواله. وتمتاز الصيغة عن مادّة كلمة الأمر أنّ الصيغة لا تدلّ إلاّ على النسبة الطلبيّة كما تقدّم ، فهي بطريق أولى لا تصلح للدلالة على الوجوب الذي هو مفهوم

__________________

(١) ذكر بعضها صاحب المعالم في معالم الدين : ٤٨ ـ ٤٩ ، فراجع.

(٢) ذهب إليه صاحب القوانين ونسبه إلى المشهور ، كما ذهب إليه صاحب المعالم ونسبه إلى الجمهور. وذهب إليه أيضا المحقّق الخراسانيّ. فراجع قوانين الأصول ١ : ٨٣ ؛ معالم الدين : ٤٨ ؛ كفاية الأصول : ٩٢.

(٣) ذهب إليه صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٦٤. واختاره المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ١٦٢ و ١٧٨ ـ ١٨٠ ، وبدائع الأفكار ١ : ٢١٤.

(٤) ذهب إليه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥١.

۶۸۸۱