أ. منشأ الخلاف وتحريره

إنّ منشأ الخلاف هنا هو الخلاف في إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ـ كالصلاة مثلا ـ قيدا له على نحو الجزء أو الشرط على وجه يكون المأمور به المتعلّق للأمر هو الصلاة المأتيّ بها بقصد القربة بهذا القيد ، كقيد الطهارة فيها ؛ إذ يكون المأمور به الصلاة عن طهارة لا الصلاة المجرّدة عن هذا القيد من حيث هي هي.

فمن قال بإمكان أخذ هذا القيد (١) ـ وهو قصد القربة ـ كان مقتضى الأصل عنده التوصّليّة إلاّ إذا دلّ دليل خاصّ على التعبّديّة ، كسائر القيود الأخرى ؛ لما عرفت أنّ إطلاق كلام المولى حجّة يجب الأخذ به ما لم يثبت التقييد ، فعند الشكّ في اعتبار قيد يمكن أخذه في المأمور به فالمرجع أصالة الإطلاق لنفي اعتبار ذلك القيد.

ومن قال باستحالة أخذ قيد قصد القربة (٢) فليس له التمسّك بالإطلاق ؛ لأنّ الإطلاق ليس إلاّ عبارة عن عدم التقييد فيما من شأنه التقييد ؛ لأنّ التقابل بينهما من باب تقابل العدم والملكة ـ الملكة : هي التقييد ، وعدمها : الإطلاق ـ. وإذا استحالت الملكة استحال عدمها بما هو عدم ملكة ، لا بما هو عدم مطلق. وهذا واضح ؛ لأنّه إذا كان التقييد مستحيلا في لسان الدليل فعدم التقييد (٣) لا يستكشف منه إرادة الإطلاق ؛ فإنّ عدم التقييد يجوز أن يكون لاستحالة التقييد ، ويجوز أن يكون لعدم إرادة التقييد ، ولا طريق لإثبات الثاني بمجرّد عدم ذكر القيد وحده.

وبعد هذا نقول : إذا شككنا في اعتبار شيء في مراد المولى وما تعلّق به غرضه واقعا

__________________

(١) وهذا هو المعروف بين الأصوليّين إلى زمان الشيخ الأعظم الأنصاريّ.

(٢) وأوّل من قال به الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٦٠. وتبعه أكثر من تأخّر عنه ؛ فبعضهم ادّعى امتناعه الذاتي ، كما في حاشية الكفاية (للمشكيني) ١ : ٣٥٧ ، وبدائع الأفكار ١ : ٢٢٨ ، منتهى الأصول ١ : ١٢٩ ـ ١٣٢ ؛ وبعضهم ادّعى امتناعه الغيري ، كما في كفاية الأصول : ٩٥ ، ونهاية الدراية ١ : ٢٣٣ ، وفوائد الأصول ١ : ١٤٩.

(٣) وفي «س» : «إذا كان التقييد مستحيلا فعدم التقييد في لسان الدليل ...» وهو أيضا صحيح. وأمّا الموجود في بعض النسخ المطبوعة : «إذا كان التقييد في لسان الدليل لا يستكشف منه ...» غلط كما لا يخفى.

۶۸۸۱