وإلاّ فلا يكون ظاهرا ، بل يكون مجملا.

أقول : من المعلوم أنّ الظهور صفة قائمة باللفظ ، وهو كونه بحالة يكون كاشفا عن مراد المتكلّم ، ودالاّ عليه ، والظنّ بما هو ظنّ أمر قائم بالسامع ، لا باللفظ ، فكيف يكون مقوّما لكون اللفظ ظاهرا؟! وإنّما أقصى ما يقال أنّه يستلزم الظنّ ، فمن هذه الجهة يتوهّم أنّ الظنّ يكون مقوّما لظهوره.

وفي الحقيقة أنّ المقوّم لكون الكلام ظاهرا عند أهل المحاورة هو كشفه الذاتيّ عن المراد ، أي كون الكلام من شأنه أن يثير (١) الظنّ عند السامع بالمراد منه ، وإن لم يحصل ظنّ فعليّ للسامع ؛ لأنّ ذلك هو الصفة القائمة بالكلام المقوّمة لكونه ظاهرا عند أهل المحاورة. والمدرك لحجّيّة الظاهر ليس إلاّ بناء العقلاء ، فهو المتّبع في أصل الحجّيّة ، وخصوصيّاتها. ألا ترى [أنّه] لا يصحّ للسامع أن يحتجّ بعدم حصول الظنّ الفعليّ عنده من الظاهر إذا أراد مخالفته ، مهما كان السبب لعدم حصول ظنّه ، ما دام أنّ اللفظ بحالة من شأنه أن يثير الظنّ لدى عامّة الناس؟

وهذا ما يسمّى بالظنّ النوعيّ ، فيكتفى به في حجّيّة الظاهر ، كما يكتفى به في حجّيّة خبر الواحد ـ كما تقدّم (٢) ـ ، وإلاّ لو كان الظنّ الفعليّ معتبرا في حجّيّة الظهور لكان كلّ كلام في آن واحد حجّة بالنسبة إلى شخص ، غير حجّة بالنسبة إلى شخص آخر. وهذا ما لا يتوهّمه أحد. ومن البديهيّ أنّه لا يصحّ ادّعاء أنّ الظاهر لكي يكون حجّة لا بدّ أن يستلزم الظنّ الفعليّ عند جميع الناس بغير استثناء ، وإلاّ فلا يكون حجّة بالنسبة إلى كلّ أحد.

ب. اعتبار عدم الظنّ بالخلاف

قيل : «إن لم يعتبر الظنّ بالوفاق فعلى الأقلّ يعتبر ألاّ يحصل ظنّ بالخلاف». (٣)

__________________

(١) أي : أن يهيج ويتوجّه.

(٢) تقدّم في الصفحة : ٤٤٧.

(٣) وهذا أيضا نسبه الشيخ الأنصاريّ في الفرائد إلى بعض متأخّري المتأخّرين من معاصريه. وقيل : هو المحقّق الكلباسيّ.

۶۸۸۱