دلالتهما فيما هما متعارضان فيه ، فيبقيان في دلالتهما الأخرى على ما هما عليه من الحجّيّة ؛ إذ لا مانع من شمول أدلّة الحجّيّة لهما معا في ذلك. (١) وقد سبق أن قلنا : إنّ الدلالة الالتزاميّة تابعة للدلالة المطابقيّة في أصل الوجود ، لا في الحجّيّة ، (٢) فلا مانع من أن يكون الدليل حجّة في دلالته الالتزاميّة ، مع وجود المانع عن حجّيّته في الدلالة المطابقيّة. هذا فيما إذا كانت إحدى الدلالتين تابعة للأخرى في الوجود فكيف الحال في الدلالتين اللتين لا تبعيّة بينهما في الوجود ، فإنّ الحكم فيه بعدم سقوط حجّيّة إحداهما بسقوط الأخرى أولى.

٧. الجمع بين المتعارضين أولى من الطرح

اشتهر بينهم أنّ الجمع بين المتعارضين مهما أمكن أولى من الطرح ، (٣) وقد نقل (٤) عن «عوالي اللآلئ» (٥) دعوى الإجماع على هذه القاعدة.

وظاهر أنّ المراد من الجمع الذي هو أولى من الطرح هو الجمع في الدلالة ؛ فإنّه إذا كان الجمع بينهما في الدلالة ممكنا تلاءما ، فيرتفع التعارض بينهما ، فلا يتكاذبان.

وتشمل القاعدة بحسب ذلك صورة تعادل المتعارضين في السند ، وصورة ما إذا كانت لأحدهما مزيّة تقتضي ترجيحه في السند ؛ لأنّه في الصورة الثانية بتقديم ذي المزيّة يلزم

__________________

(١) فالمتعارضان يشتركان في نفي الثالث بالدلالة الالتزاميّة ، ويكونان معا حجتين في نفى الثالث. وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٤ : ٧٥٥ ، والمحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٤ «القسم الثاني» : ١٧٥ ـ ١٧٦. واختاره المصنّف في المقام. بخلاف المحقّق الخراسانيّ ، فإنّه ذهب إلى استناد نفي الثالث إلى أحدهما بلا تعيين ، لا إليهما معا. كفاية الأصول : ٤٩٩.

(٢) هذا جواب عن توهّم أنّ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة ، وبعد سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي لا مجال لبقاء الدلالة الالتزاميّة لهما في نفي الثالث.

أجاب عنه ـ بما ذكر في المتن ـ المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٤ : ٧٥٦. وأورد عليه المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٤ «القسم الثاني» : ١٧٦.

(٣) الفصول الغرويّة : ٤٤٠ ؛ مناهج الأحكام : ٣١٢ ؛ تمهيد القواعد : ٢٨٣.

(٤) والناقل هو الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ٢ : ٧٥٣.

(٥) عوالي اللئالئ ٤ : ١٣٦.

۶۸۸۱