بسم الله الرّحمن الرّحيم

تمهيد :

إنّ مقصودنا من هذا البحث ـ وهو «مباحث الحجّة» ـ تنقيح ما يصلح أن يكون دليلا وحجّة على الأحكام الشرعيّة ، لنتوصّل إلى الواقع من أحكام الله (تعالى).

فإن أصبنا بالدليل ذلك الواقع ـ كما أردنا ـ فذلك هو الغاية القصوى والمقصد الأعلى ، وإن أخطأناه ، فنحن نكون معذورين غير معاقبين في مخالفة الواقع.

والسرّ في كوننا معذورين عند الخطأ هو أنّنا قد بذلنا جهدنا وقصارى وسعنا في البحث عن الطرق الموصلة إلى الواقع من أحكام الله (تعالى) ، حتى ثبت لدينا ـ على سبيل القطع ـ أنّ هذا الدليل المعيّن ـ كخبر الواحد مثلا ـ قد ارتضاه الشارع لنا طريقا إلى أحكامه ، وجعله حجّة عليها ، فالخطأ الذي نقع فيه إنّما جاء من [قبل] الدليل ـ الذي نصبه وارتضاه لنا ـ لا من قبلنا.

وسيأتي (١) بيان [أنّه] كيف نكون معذورين؟ وكيف يصحّ وقوع الخطأ في الدليل المنصوب حجّة ، مع أنّ الشارع هو الذي نصبه وجعله حجّة؟

ولا شكّ في أنّ هذا المقصد هو غاية الغايات من مباحث علم أصول الفقه ، وهو العمدة فيها ؛ لأنّه هو الذي يحصّل كبريات مسائل المقصدين السابقين (الأوّل والثاني) ، فإنّه لمّا كان يبحث في المقصد الأوّل عن تشخيص صغريات الظواهر اللفظيّة (٢) ، فإنّه في هذا

__________________

(١) سيأتي في الصفحة : ٤٠٠ «ولذا نقول : إذا لم تصب الواقع ...».

(٢) إنّ بعض مشايخنا الأعاظم قدس‌سره * التزم في المسألة الأصوليّة أنّها يجب أن تقع كبرى في القياس الذي ـ

__________________

* وهو المحقّق العراقي في مقالات الأصول ١ : ١٠ ـ ١١ ، ونهاية الأفكار ١ : ٢٢ ـ ٢٣.

۶۸۸۱