الاستدلال تمسّك بعموم نقيض التعليل. ولا دلالة في الآية على نقيض التعليل بالضرورة ؛ لأنّ هذه الآية نظيرة نهي الطبيب عن بعض الطعام لأنّه حامض ـ مثلا ـ ، فإنّ هذا التعليل لا يدلّ على أنّ كلّ ما هو ليس بحامض يجوز أو يجب أكله. وكذلك هنا ؛ فإنّ حرمة العمل بنبإ الفاسق بدون تبيّن ـ لأنّه يستلزم الإصابة بجهالة ـ لا تدلّ على وجوب الأخذ بكلّ ما يؤمن فيه ذلك وما لا يستلزم الإصابة بجهالة.

وأمّا : دلالتها على خصوص حجّيّة خبر الواحد العادل فقد استفدناها من طريق آخر ، وهو طريق مفهوم الشرط على ما تقدّم شرحه ، (١) لا من طريق عموم نقيض التعليل.

وبعبارة أخرى : إنّ أكثر ما تدلّ الآية في تعليلها على (٢) أنّ الإصابة بجهالة مانعة عن تأثير المقتضي لحجّيّة الخبر ، ولا تدلّ على وجود المقتضي للحجّيّة في كلّ شيء آخر ؛ حيث لا يوجد فيه المانع ، حتى تكون دالّة على حجّيّة مثل الشهرة المفقود فيها المانع. أو نقول : إنّ فقدان المانع عن الحجّيّة في مثل الشهرة لا يستلزم وجود المقتضي فيها للحجّيّة ، ولا تدلّ الآية على أنّ كلّ ما ليس فيه مانع فالمقتضي فيه موجود.

الدليل الثالث : دلالة بعض الأخبار

قيل : «إنّ بعض الأخبار دالّة على اعتبار الشهرة ، مثل مرفوعة زرارة : قال زرارة : سألت الباقر عليه‌السلام ، فقلت : ـ جعلت فداك ـ يأتي عنكم الخبران ، أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما آخذ؟ قال عليه‌السلام «[يا زرارة!] خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر». قلت يا سيّدي ، إنّهما معا مشهوران [مرويّان] ، مأثوران عنكم. قال عليه‌السلام : «خذ بما يقوله (٣) أعدلهما ...» إلى آخر الخبر (٤) ، (٥).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ٤٣٢.

(٢) خبر «إنّ» أي : دلالتها على ... والأولى : «... تدلّ عليه الآية في تعليلها أنّ».

(٣) وفي المصدر : «خذ بقول ...».

(٤) عوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ ح ٢٢٩ ؛ مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ ، كتاب القضاء ، الباب ٩ ح ٢.

(٥) هذا الدليل تعرّض له وللإجابة عليه في مفاتيح الأصول : ٤٩٨.

۶۸۸۱