الترتّب (١)

وإذ امتدّ (٢) البحث إلى هنا ، فهناك مشكلة فقهيّة تنشأ من الخلاف المتقدّم لا بدّ من التعرّض لها بما يليق بهذه الرسالة.

وهي أنّ كثيرا من الناس نجدهم يحرصون ـ بحسب تهاونهم ـ على فعل بعض (٣) العبادات المندوبة في ظرف وجوب شيء هو ضدّ للمندوب ، فيتركون الواجب ويفعلون المندوب ، كمن يذهب للزيارة ، أو يقيم مأتم الحسين عليه‌السلام وعليه دين واجب الأداء ؛ كما نجدهم يفعلون بعض الواجبات العباديّة في حين أنّ هناك عليهم واجبا أهمّ فيتركونه ، أو واجبا مضيّق الوقت مع أنّ الأوّل موسّع فيقدّمون الموسّع على المضيّق ، أو واجبا معيّنا مع أنّ الأوّل مخيّر فيقدّمون المخيّر على المعيّن ... وهكذا.

ويجمع الكلّ تقديم فعل المهمّ العباديّ على الأهمّ ، فإنّ المضيّق أهمّ من الموسّع ، والمعيّن أهمّ من المخيّر ، كما أنّ الواجب أهمّ من المندوب. ومن الآن سنعبّر بالأهمّ والمهمّ ونقصد ما هو أعمّ من ذلك كلّه.

فإذا قلنا بأنّ صحّة العبادة لا تتوقّف على وجود أمر فعليّ متعلّق به ، وقلنا بأنّه لا نهي عن الضدّ ، أو النهي عنه لا يقتضي الفساد فلا إشكال ولا مشكلة ؛ لأنّ فعل المهمّ العباديّ يقع صحيحا حتّى مع فعليّة الأمر بالأهمّ ، غاية الأمر يكون المكلّف عاصيا بترك الأهمّ من دون أن يؤثّر ذلك على صحّة ما فعله من العبادة.

وإنّما المشكلة فيما إذا قلنا بالنهي عن الضدّ ، وأنّ النهي يقتضي الفساد ، أو قلنا بتوقّف

__________________

(١) إنّ مسألة الترتّب من المسائل الحديثة ، وليس لها في كتب القدماء ذكر ولا أثر. وأوّل من التزم به هو المحقّق الثاني ثمّ كاشف الغطاء. وفصّله المجدد الشيرازيّ ، ثمّ رتّبه السيّد الفشاركيّ ، وارتضاه جلّ المتأخّرين. راجع عنه : جامع المقاصد ٥ : ١٢ ـ ١٣ ؛ كشف الغطاء : ٢٧ ؛ تقريرات المجدّد الشيرازيّ ٢ : ٢٧٣ ـ ٢٨٢ ؛ الرسائل الفشاركيّة : ١٨٤ ـ ١٨٩ ، فوائد الأصول ١ : ٣٣٦ ؛ نهاية الدراية ١ : ٤٤٥.

(٢) في «س» انجرّ.

(٣) وفي «س» : وهي أنّ كثيرا ما يكون محلّ بلوى الناس ما يقع منهم بسبب سوء اختيارهم وتهاونهم على الغالب ، وذلك حينما يحرصون على فعل ....

۶۸۸۱