٣. التعبّديّ والتوصّليّ

تمهيد

كلّ متفقّه يعرف أنّ في الشريعة المقدّسة واجبات لا تصحّ ولا تسقط أوامرها إلاّ بإتيانها قربيّة إلى وجه الله (تعالى).

وكونها قربيّة إنّما هو بإتيانها بقصد امتثال أوامرها أو بغيره من وجوه قصد القربة إلى الله (تعالى) ، على ما ستأتي الإشارة إليها (١). وتسمّى هذه الواجبات «العباديّات» ، أو «التعبّديّات» ، كالصلاة والصوم ونحوها.

وهناك واجبات أخرى تسمّى «التوصّليّات» وهي التي تسقط أوامرها بمجرّد وجودها وإن لم يقصد بها القربة ، كإنقاذ الغريق ، وأداء الدين ، ودفن الميّت ، وتطهير الثوب والبدن للصلاة ، ونحو ذلك.

وللتعبّديّ والتوصّليّ تعريف آخر كان مشهورا عند القدماء ، وهو أنّ التوصّليّ «ما كان الداعي للأمر به معلوما» ، وفي قباله التعبّديّ وهو «ما لم يعلم الغرض منه (٢)». وإنّما سمّي تعبّديّا ؛ لأنّ الغرض الداعي للمأمور ليس إلاّ التعبّد بأمر المولى فقط. ولكن التعريف غير صحيح إلاّ إذا أريد به اصطلاح ثان للتعبّديّ والتوصّليّ ، فيراد بالتعبّد التسليم لله (تعالى) فيما أمر به وإن كان المأمور به توصّليّا بالمعنى الأوّل ، كما يقولون مثلا : «نعمل هذا تعبّدا» ويقولون : «نعمل هذا من باب التعبّد» ، أي نعمل هذا من باب التسليم لأمر الله (تعالى) وإن لم نعلم المصلحة فيه.

وعلى ما تقدّم من بيان معنى التوصّليّ والتعبّديّ ـ المصطلح الأوّل (٣) ـ فإن علم حال واجب بأنّه تعبّديّ أو توصّليّ فلا إشكال ، وإن شكّ في ذلك فهل الأصل كونه تعبّديّا أو توصّليّا؟ فيه خلاف بين الأصوليّين. وينبغي لتوضيح ذلك وبيان المختار تقديم أمور :

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ٨٧.

(٢) هذا التعريف منسوب إلى القدماء ، كما نسبه إليهم المحقّق العراقيّ في مقالات الأصول ١ : ٢٢٩.

(٣) وأوّل من ذهب إليه هو الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٥٩. ثمّ تبعه من تأخّر عنه.

۶۸۸۱