الدليل من الآيات القرآنيّة

منها : قوله (تعالى) : ﴿فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (١) ، بناء على تفسير الاعتبار بالعبور والمجاوزة ، والقياس عبور ومجاوزة من الأصل إلى الفرع. (٢)

وفيه (٣) : أنّ الاعتبار هو الاتّعاظ لغة ، وهو الأنسب بمعنى الآية الواردة في الذين كفروا من أهل الكتاب ، إذ قذف الله (تعالى) في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. وأين هي من القياس الذي نحن فيه؟

وقال ابن حزم في كتابه «إبطال القياس» : «ومن المحال أن يقول لنا : فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ويريد القياس ، ثمّ لا يبيّن لنا في القرآن ولا في الحديث : أيّ شيء نقيس؟ ولا متى نقيس؟ ولا على أيّ شيء نقيس؟ ولو وجدنا ذلك لوجب أن نقيس ما أمرنا بقياسه حيث أمرنا ، وحرم علينا أن نقيس ما لا نصّ فيه جملة ، ولا نتعدّى حدوده». (٤)

ومنها : قوله (تعالى) : ﴿قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ (٥) ، باعتبار أنّ الآية تدلّ على مساواة النظير للنظير ، بل هي استدلال بالقياس لإفحام من ينكر إحياء العظام وهي رميم. ولو لا أنّ القياس حجّة لما صحّ الاستدلال فيها (٦).

__________________

(١) الحشر (٥٩) الآية : ٢.

(٢) استدلّ بها في نهاية السئول ٤ : ١١ ، وإرشاد الفحول : ٢٠٠.

(٣) كما في العدّة ٢ : ٦٧٣ ـ ٦٧٤. واعترف به ابن الحاجب في منتهى الوصول والأمل : ١٩٠.

وقال ابن حزم : «ومعنى الاعتبار في اللغة والقرآن : التعجّب. قال الله (تعالى) : ﴿لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ * أي : عجب. ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ** أي : لعجبا ؛ لا قياسا». ملخّص إبطال القياس : ٢٨.

(٤) ملخّص إبطال القياس : ٣٠.

(٥) يس (٣٦) الآية : ٧٨ ـ ٧٩.

(٦) هذا الدليل تعرّض له وللإجابة عليه الشوكاني في إرشاد الفحول : ٢٠٢ ، وابن حزم في إبطال القياس : ٢٣ و ٢٨.

__________________

* يوسف (١٢) الآية : ١١١.

** النحل (١٦) الآية : ٦٦.

۶۸۸۱