المولى قائم بالصلاة المأتيّ بها بداعي أمرها ؛ فإنّه إذا لم يمكن تقييد المأمور به بذلك في نفس الأمر المتعلّق بها ـ لما عرفت من امتناع التقييد في التقسيمات الثانوية ـ فلا بدّ له ـ أي الآمر ـ لتحصيل غرضه أن يسلك طريقة أخرى ، كأن يأمر أوّلا بالصلاة ثمّ يأمر ثانيا بإتيانها بداعي أمرها الأوّل ؛ مبيّنا ذلك بصريح العبارة.

وهذان الأمران يكونان في حكم أمر واحد ثبوتا وسقوطا ؛ لأنّهما ناشئان من غرض واحد ، والثاني يكون بيانا للأوّل ، فمع عدم امتثال الأمر الثاني لا يسقط الأمر الأوّل بامتثاله فقط ، وذلك بأن يأتي بالصلاة مجرّدة عن قصد أمرها ، فيكون الأمر الثاني بانضمامه إلى الأوّل مشتركا مع التقييد في النتيجة وإن لم يسمّ تقييدا اصطلاحا.

إذا عرفت ذلك فنقول : المولى إذا أمر بشيء ـ وكان في مقام البيان ـ واكتفى بهذا الأمر ولم يلحقه بما يكون بيانا له فلم يأمر ثانيا بقصد الامتثال فإنّه يستكشف منه عدم دخل قصد الامتثال في الغرض ، وإلاّ لبيّنه بأمر ثان. وهذا ما سمّيناه بـ «إطلاق المقام».

وعليه ، فالأصل في الواجبات كونها توصّليّة حتّى يثبت بالدليل أنّها تعبّديّة.

٤. الواجب العينيّ وإطلاق الصيغة

الواجب العينيّ «ما يتعلّق بكلّ مكلّف ولا يسقط بفعل الغير» ، كالصلاة اليوميّة والصوم. ويقابله الواجب الكفائيّ ، وهو «المطلوب فيه وجود الفعل من أيّ مكلّف كان» ، فيسقط بفعل بعض المكلّفين عن الباقي ، كالصلاة على الميّت وتغسيله ودفنه. وسيأتي في تقسيمات الواجب ذكرهما (١).

وفيما يتعلّق بمسألة تشخيص الظهور نقول : إن دلّ الدليل على أنّ الواجب عينيّ أو كفائيّ فذاك ، وإن لم يدلّ فإنّ إطلاق صيغة افعل يقتضي أن يكون عينيّا ، سواء أتى بذلك العمل شخص آخر أم لم يأت به ، فإنّ العقل يحكم بلزوم امتثال الأمر ما لم يعلم سقوطه بفعل الغير.

فالمحتاج إلى مزيد البيان على أصل الصيغة هو الواجب الكفائيّ ، فإذا لم ينصب المولى

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ١٠٧.

۶۸۸۱