إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور في المقدّمة فلنشرع في المقصود ، والأمور التي ينبغي أن نبحثها ثلاثة : الجمع العرفيّ ، والقاعدة الثانوية في المتعادلين ، والمرجّحات السنديّة وما يتعلّق بها.

الأمر الأوّل : الجمع العرفيّ

بمقتضى ما شرحناه في المقدّمة الأخيرة يتّضح أنّ القدر المتيقّن من قاعدة أولويّة الجمع من الطرح في المتعارضين هو «الجمع العرفيّ» الذي سمّاه الشيخ الأعظم قدس‌سره بـ «الجمع المقبول» ، (١) وغرضه المقبول عند العرف. ويسمّى «الجمع الدلاليّ». (٢)

وفي الحقيقة ـ كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك ـ أنّه بالجمع العرفيّ يخرج الدليلان عن التعارض. والوجه في ذلك أنّه إنّما نحكم بالتساقط ، أو التخيير ، أو الرجوع إلى العلاجات السنديّة ، حيث تكون هناك حيرة في الأخذ بهما معا. وفي موارد الجمع العرفيّ لا حيرة ، ولا تردّد.

وبعبارة أخرى : إنّه لمّا كان التعبّد بالمتنافيين مستحيلا فلا بدّ من العلاج ، إمّا بطرحهما ، أو بالتخيير بينهما ، أو بالرجوع إلى المرجّحات السنديّة ، وغيرها ، وأمّا : لو كان الدليلان متلائمين غير متنافيين بمقتضى الجمع العرفيّ المقبول فإنّ التعبّد بهما معا يكون تعبّدا بالمتلائمين ، فلا استحالة فيه ، ولا محذور حتى نحتاج إلى العلاج.

ويتّضح من ذلك أنّه في موارد الجمع لا تعارض ، وفي موارد التعارض لا جمع. وللجمع العرفيّ موارد لا بأس بالإشارة إلى بعضها للتدريب (٣) :

فمنها : ما إذا كان أحد الدليلين أخصّ من الآخر ، فإنّ الخاصّ مقدّم على العامّ ، ويوجب

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٨٠٤.

(٢) سمّاه بذلك المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٤ «القسم الثاني» : ١٣٩.

(٣) أي : التمرين.

۶۸۸۱