العلّيّة والاقتضاء ما هو معروف من معناهما أنّه بمعنى التأثير والإيجاد ، فإنّه من البديهيّ أنّه لا علّيّة ولا اقتضاء لعناوين الأفعال في أحكام العقلاء إلاّ من باب علّيّة الموضوع لمحموله.

٦. أدلّة الطرفين

بتقديم الأمور السابقة نستطيع أن نواجه أدلّة الطرفين بعين بصيرة ؛ لنعطي الحكم العادل لأحدهما ونأخذ النتيجة المطلوبة. ونحن نبحث عن ذلك في عدّة موادّ ، فنقول :

١. إنّا ذكرنا أنّ قضيّة الحسن والقبح من القضايا المشهورات ، وأشرنا إلى ما كنتم درستموه في الجزء الثالث من المنطق من أنّ المشهورات قسم يقابل الضروريّات الستّ كلّها. ومنه نعرف المغالطة في دليل الأشاعرة ، وهو أهمّ أدلّتهم ؛ إذ يقولون :

«لو كانت قضيّة الحسن والقبح ممّا يحكم به العقل لما كان فرق بين حكمه في هذه القضيّة وبين حكمه بأنّ الكلّ أعظم من الجزء. ولكنّ الفرق موجود قطعا ؛ إذ الحكم الثاني لا يختلف فيه اثنان مع وقوع الاختلاف في الأوّل» (١).

وهذا الدليل من نوع القياس الاستثنائيّ قد استثني فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدّم.

والجواب عنه : أنّ المقدّمة الأولى ـ وهي الجملة الشرطيّة ـ ممنوعة ، ومنعها يعلم ممّا تقدّم آنفا ؛ لأنّ قضيّة الحسن والقبح ـ كما قلنا ـ من المشهورات ، وقضيّة أنّ الكلّ أعظم من الجزء من الأوّليّات اليقينيّات ، فلا ملازمة بينهما. وليس هما من باب واحد حتّى يلزم من كون القضيّة الأولى ممّا يحكم به العقل ألاّ يكون فرق بينها وبين القضية الثانية. وينبغي أن نذكر جميع الفروق بين المشهورات هذه وبين الأوّليّات ، ليكون أكثر وضوحا بطلان قياس إحداهما على الأخرى. والفارق من وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ الحاكم في قضايا التأديبات العقل العمليّ ، والحاكم في الأوّليّات العقل النظريّ.

__________________

(١) التحقيق أنّ ما ذكر ليس من أدلّتهم ، فضلا عن كونه من أهمّها ، بل هو اعتراض تعرّض له ابن ميثم في قواعد المرام : ١٠٥ ، ثم أجاب عنه. وتعرّض له القوشجيّ أيضا بعنوان «اعتراض» ، راجع شرح التجريد للقوشجي : ٣٣٩.

۶۸۸۱