فرض كونهما مشهورين قد رواهما الثقات ، ثمّ فرض السائل موافقتهما معا للكتاب بعد ذلك ؛ إذ قال : «فإن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب ، والسنّة». ولا يكون ذلك إلاّ الموافقة لظاهره ، وإلاّ لزم وجود نصّين متباينين في الكتاب ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ المراد من مخالفة الكتاب في المقبولة مخالفة الظاهر ، لا النصّ.

ويشهد لما قلناه أيضا ما جاء في خبر الحسن ، المتقدّم : «فإن كان يشبههما فهو منّا» ؛ فإنّ التعبير بكلمة «يشبههما» يشير إلى أنّ المراد الموافقة والمخالفة للظاهر.

٥. مخالفة العامّة

إنّ الأخبار المطلقة الآمرة بالأخذ بما خالف العامّة وترك ما وافقها كلّها منقولة عن رسالة للقطب الراونديّ ، (١) وقد نقل (٢) عن الفاضل النراقيّ أنّه قال : «إنّها غير ثابتة عن القطب ثبوتا شائعا ، فلا حجّية فيما نقل عنها».

وهناك رواية مرسلة عن «الاحتجاج» (٣) تقدّمت في الرقم (١٠) (٤) لا حجّيّة فيها ؛ لضعفها بالإرسال. فينحصر الدليل في المقبولة المتقدّمة (٥) ، وظاهرها ـ كما سبق قريبا ـ أنّ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، بعد فرض حجّيّة الخبرين في أنفسهما ، فتدلّ على الترجيح ، لا على التمييز كما قيل. (٦)

والنتيجة أنّ المستفاد من الأخبار أنّ المرجّحات المنصوصة ثلاثة : الشهرة ، وموافقة الكتاب والسنّة ، ومخالفة العامّة. وهذا ما استفاده الشيخ الكلينيّ قدس‌سره في مقدّمة «الكافي». (٧)

__________________

(١) والناقل صاحب الوسائل في : وسائل الشيعة ١٨ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) والناقل المحقّق الأصفهانيّ في : نهاية الدراية ٣ : ٣٧٤.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٣٥٧.

(٤) تقدّمت في الصفحة ٥٧٥.

(٥) أي مقبولة ابن حنظلة.

(٦) أي كما قيل بدلالتها على تمييز الحجّة عن اللاحجّة. والقائل هو المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٥٠٦.

(٧) الكافي ١ : ٥٧ ، باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم.

۶۸۸۱