من القدرة على صرف وجود الطبيعة ولو بالقدرة على فرد من أفرادها ، فالعقل هو الذي يحكم بلزوم القدرة في متعلّق التكليف ، وذلك لا يقتضي القدرة على كلّ فرد من أفراد الطبيعة إلاّ إذا قلنا بأنّ التكليف يتعلّق بالأفراد أوّلا وبالذات ، وقد تقدّم توضيح فساد هذا الوهم (١).

تعدّد العنوان لا يوجب تعدّد المعنون

بعد ما تقدّم من البيان من أنّ التكليف إنّما يتعلّق بالعنوان بما هو مرآة عن أفراده لا بنفس الأفراد ، فإنّ القول بالجواز لا يتوقّف على القول بأنّ تعدّد العنوان يوجب تعدّد المعنون ـ كما أشرنا إليه فيما سبق ـ ؛ لأنّه سواء كان المعنون متعدّدا بتعدّد العنوان أو غير متعدّد ، فإنّ ذلك لا يرتبط بمسألتنا نفيا وإثباتا ما دام أنّ المعنون ليس متعلّقا للتكليف أبدا. وعلى كلّ حال فالحقّ هو الجواز ، تعدّد المعنون أو لم يتعدّد.

ولو سلّمنا جدلا بأنّ التكليف يتعلّق بالمعنون باعتبار سراية التكليف من العنوان إلى المعنون ـ كما هو المعروف ـ ، فإنّ الحقّ أنّه لا يجب تعدّد المعنون بتعدّد العنوان ، فقد يتعدّد وقد لا يتعدّد ، فليس هناك قاعدة عامّة تقضي بأن نحكم بأنّ تعدّد العنوان يوجب تعدّد المعنون ، كما تكلّف بتنقيحها بعض أعاظم مشايخنا (٢) ، وكأنّ نظره الشريف يرمي إلى أنّ العامّين من وجه يمتنع صدقهما على شيء واحد من جهة واحدة ، وإلاّ لما كانا عامّين من وجه ، فلا بدّ أن يفرض هناك جهتان موجودتان في المجمع : إحداهما : هو الواجب ، وثانيتهما : هو المحرّم ، فيكون التركيب بين الحيثيّتين تركيبا انضماميّا لا اتّحاديّا ، إلاّ إذا كانت الحيثيّتان المفروضتان تعليليّتين لا تقييديّتين ؛ فإنّ الواجب والمحرّم على هذا الفرض يكونان شيئا واحدا وهو ذات المحيّث بهاتين الحيثيّتين. وحينئذ يقع التعارض بين دليلي العامّين ، ويخرج المورد عن مسألتنا.

وفي هذا التقرير ما لا يخفى على الفطن.

أمّا أوّلا : فإنّ العنوان بالنسبة إلى معنونه تارة يكون منتزعا منه باعتبار ضمّ حيثيّة زائدة

__________________

(١) تقدّم في الصفحة السابقة.

(٢) وهو المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٤٠٦ ـ ٤١٤.

۶۸۸۱