الحقّ في المسألة

بعد ما قدّمنا ـ من توضيح تحرير النزاع وبيان موضع النزاع ـ نقول : إنّ الحقّ في المسألة هو «الجواز». وقد ذهب إلى ذلك جمع من المحقّقين المتأخّرين (١).

وسندنا يبتني على توضيح واختيار ثلاثة أمور مترتّبة :

أوّلا : أنّ متعلّق التكليف ـ سواء كان أمرا أو نهيا ـ ليس هو المعنون (٢) ، أي الفرد الخارجيّ للعنوان بما له من الوجود الخارجيّ ؛ فإنّه يستحيل ذلك ، بل متعلّق التكليف دائما وأبدا هو العنوان ، على ما سيأتي توضيحه (٣).

واعتبر ذلك بالشوق ، فإنّ الشوق يستحيل أن يتعلّق بالمعنون ؛ لأنّه إمّا أن يتعلّق به حال عدمه أو حال وجوده ، وكلّ منهما لا يكون ؛ أمّا الأوّل : فيلزم تقوّم الموجود بالمعدوم ، وتحقّق المعدوم بما هو معدوم ـ لأنّ المشتاق إليه له نوع من التحقّق بالشوق إليه ـ وهو محال واضح ؛ وأمّا الثاني : فلأنّه يكون الاشتياق إليه تحصيلا للحاصل وهو محال ؛ فإذن لا يتعلّق الشوق بالمعنون لا حال وجوده ، ولا حال عدمه.

مضافا إلى أنّ الشوق من الأمور النفسيّة ، ولا يعقل أن يتشخّص ما في النفس بدون متعلّق ما ، كجميع الأمور النفسيّة ، كالعلم ، والخيال ، والوهم ، والإرادة ، ونحوها ، ولا يعقل أن يتشخّص بما هو خارج عن أفق النفس من الأمور العينيّة ؛ فلا بدّ أن يتشخّص بالشيء المشتاق إليه بما له من الوجود العنوانيّ الفرضيّ ، وهو المشتاق إليه أوّلا وبالذات ، وهو الموجود بوجود الشوق ، لا بوجود آخر وراء الشوق ، ولكن لمّا كان يؤخذ العنوان بما هو حاك ومرآة عمّا في الخارج ـ أي عن المعنون ـ فإنّ المعنون يكون مشتاقا إليه ثانيا و

__________________

(١) راجع : التعليقة رقم «٤» من الصفحة : ٣٢٠.

(٢) خلافا للمحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ١٩٣ ؛ فإنّه قال : «لا شبهة في أنّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه ، ولا ما هو عنوانه ...». واختاره المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٤٠٠ ـ ٤٠٢.

(٣) يأتي بعد أسطر.

۶۸۸۱