المسألة السادسة : المطلق والمقيّد المتنافيان

معنى التنافي بين المطلق والمقيّد أنّ التكليف في المطلق لا يجتمع مع التكليف في المقيّد مع فرض المحافظة على ظهورهما معا ، أي أنّهما يتكاذبان في ظهورهما ، مثل قول الطبيب مثلا : «اشرب لبنا» ، ثمّ يقول : «اشرب لبنا حلوا» ، وظاهر الثاني تعيين شرب الحلو منه ، وظاهر الأوّل جواز شرب غير الحلو حسب إطلاقه.

وإنّما يتحقّق التنافي بين المطلق والمقيّد إذا كان التكليف فيهما واحدا ، كالمثال المتقدّم ، فلا يتنافيان لو كان التكليف في أحدهما معلّقا على شيء وفي الآخر معلّقا على شيء آخر ، كما إذا قال الطبيب في المثال : «إذا أكلت فاشرب لبنا ، وعند الاستيقاظ من النوم اشرب لبنا حلوا». وكذلك لا يتنافيان لو كان التكليف في المطلق إلزاميّا ، وفي المقيّد على نحو الاستحباب ، ففي المثال لو وجب أصل شرب اللبن فإنّه لا ينافيه رجحان الحلو منه باعتبار أنّه أحد أفراد الواجب. وكذا لا يتنافيان لو فهم من التكليف في المقيّد أنّه تكليف في وجود ثان غير المطلوب من التكليف الأوّل ، كما إذا فهم من المقيّد في المثال طلب شرب اللبن الحلو ثانيا بعد شرب لبن ما.

إذا فهمت ما سقناه لك من معنى التنافي ، فنقول : لو ورد في لسان الشارع مطلق ومقيّد متنافيان ، سواء تقدّم أو تأخّر ، وسواء كان مجيء المتأخّر بعد وقت العمل بالمتقدّم أو قبله ، فإنّه لا بدّ من الجمع بينهما إمّا بالتصرّف في ظهور المطلق فيحمل على المقيّد ، أو بالتصرّف في المقيّد على وجه لا ينافي الإطلاق ، فيبقى ظهور المطلق على حاله.

وينبغي البحث هنا في أنّه أيّ التصرّفين أولى بالأخذ؟ فنقول : هذا يختلف باختلاف الصور فيهما ، فإنّ المطلق والمقيّد إمّا أن يكونا مختلفين في الإثبات أو النفي ، وإمّا أن يكونا متّفقين.

الأوّل : أن يكونا مختلفين ، فلا شكّ حينئذ في حمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ المقيّد يكون قرينة على المطلق ، فإذا قال : «اشرب اللبن» ، ثمّ قال : «لا تشرب اللبن الحامض» ، فإنّه يفهم منه أنّ المطلوب هو شرب اللبن غير الحامض. وهذا لا يفرق فيه بين أن يكون

۶۸۸۱